لا أحب الشتاء بأى حال، إنه شتاء قارص معى على الدوام ذات ومعنا، عظامى تؤملنى مذ كنت صغيرة وأذنى أيضا، بينما قلبى يرتعد مع حلول المساء، مذ كنت صغيرة، فى بيت العائلة أنام بجوار أخوتى، والإضاءة الخافتة مشتعلة، والساعة قدت الثانية عشر ، وعينايا ما زالت مستيقظة، لا أسمع سوى نبضات قلبى تتسارع خوفا، لا أعلم من ماذا؟، لكن بيتنا فى منطقة خالية وبجوارنا مشرحة وفى الصباح يحلو الحديث عن الموتى وعن الأشباح، وفى المساء يسبح عقلى ويجتهد فى تصورها وينتظرها،بل ويحيك القصص، وقلبى يتفاعل بخوف شديد، ولا أحد مستيقظ سواى، الجميع يغطون فى نوم عميق، لماذا لم أنم مثلهم ،سؤال ظل يؤرقنى؟؛ لم أكن حينها أدمن القهوة، كنت طفلة ساذجة جدا لم أكن لأعى أن القهوة منبها لو لم يخبرنى أحد، لعلها غفلة الظهيرة،اكتشفت هذا فيما بعد،فصار نوم الظهيرة من الممنوعات وإن تحقق، أظل عقبه أحمل هم المساء، مساء الشتاء وحده، كبرت وتزوجت وأنجبت سريعا ومازال مساء الشتاء يحمل لى خبايا أخرى وذكريات أخرى تضم إلى ذكريات الطفولة .

كنت أسهر على أطفالى، ففى الشتاء لا يهدأ المرض،لضعف مناعتهم، أسهر بجوارهم، بينما زوجى يغط فى نوم عميق، تأخذنى سنة من النوم لييقظنى صريخ الزوج، لأسكت الطفل.

الآن رحل الزوج وتزوج الآبناء وما زلت لا أحب الشتاء رغم شيبة الشعر، فمازال الليل يدخل سريعا ويكون طويل ولا أنيس سوى نبضات قلبى تدق فى اشتياق لدفء الأهل، أدركت أن مخاوف الطفولة لم تكن شئ، فرغم ذلك كانوا بجوارى نائمين وبكاء الصغار لم يكن شيئا كاليوم، فكنت أسمع صوت أخر غير صوتى ،بينما الآن لا أجلس إلا وحدى تفترسنى الذكريات وتتنازع فى نفسى ، وما زالت عينايا تأبى النوم، رغم أنى تركت قيلولة الظهر

.