المحطة الأخيرة ، بقلمي .

غادرت (مليكة ) المستشفى على عجل ،حتى دون أن تستأذن رئيس القسم ، المكالمة التي تلقتها جعلتها لاتفكر بالأمر مرتين ..

– لقد ظهرت على والدنا أعراض (كورونا) ، وضعه غير مطمئن ، هكذا أخبرتها أختها .

اتجهت مسرعة صوب محطة القطار ، المحطة خالية إلا من بعض الشبان …

إنه شهر ديسمبر ، الجو بارد للغاية ،الشمس غابت أنوارها ليبدأ الظلام تدريجيا في بسط سيطرته على المدينة

لم يتبقى إلا ساعة قبل موعد الحجر الصحي ، الوحشة تملأ المكان ، وتبعث في النفس شعورا بالإنقباض .

لقد وصل القطار ، عليه أن يتوقف أكثر من مرة قبل أن تصل للبيت عند آخر محطة ،المقصورة خالية

قبل( الوباء الملعون ) كانت تمتلىء عن آخرها ، نادرا ما تجد مقعدا فارغا

وصلتها رسالة عبر الواتس آب، من خطيبها (خالد)

-هل وصلت للبيت ؟

-لا ،ليس بعد ، انطلق القطار للتو .

-كان عليك أن تستمعي للنصيحة ولا تغادري المستشفى ،لكنك اندفعت كعادتك وتصرفت بعناد!

-لقد أخبرتك صوتا أن وضع أبي قد يصبح خطيرا..

-لكنك طبيبة ! و عليك الإلتزام بواجباتك قبلا ،هناك حالات مستعجلة تحتاجك أكثر …خروجك في هذا الوقت المتأخر ليس آمنا على الإطلاق .

-أنا إنسانة قبل أن أكون طبيبة .

– توقفي عن تبرير تصرفك المتهور ، وضع والدك ليس بتلك الخطورة .

-توقف أنت عن توبيخي ،ما أمر به يكفيني .-لست راضيا عن تصرفك مطلقا ،سيكون لنا حديث آخر بعد أن تطمئني على الوالد ..

وقبل أن ترد عليه ، وصل ثلاثة شباب إلى العربة ، ضحكاتهم المستفزة أربكتها . جلسوا قبالتها ، نظرة خاطفة كانت كافية لتعرف أنهم في حالة غير (طبيعية ) ، عيون حمراء ، نظرات خبيثة تصرح أكثر مما تلمح ، تخيف أكثر مما تريح ،عيون مفترسة بكل ماتحمله الكلمة من معنى ،لقد وقعت في المصيدة .

نزولها عند محطة غير محطتها لن يكون حلا مثاليا مطلقا ، أن تترك المكان وتمر أمامهم، بدت فكرة مستحيلة التنفيذلقد تجمدت أوصالها وبالكاد تتمالك نفسها ،تماما مثلما يحذرك الجميع :ابق ساكنا ولا تقم بأي حركة مريبة أمام كلب أو حيوان شرس ,لأنه سيشعر بخوفك وسيدفعه ذلك للهجوم عليكهذا بالضبط ما أحست به( مليكة ) لو اشتم أي منهم رائحة الخوف الذي بدأ يسيطر عليها سيكون الإفتراس أسرع مما تتصور ، لقد حشرت في الزواية ، ولو واجهت كلابا أو حيوانات لكان أرحم مما تواجهه الآن ..-مليكة ، كانت رسالة من ( خالد ).-خالد أنا خائفة جدا ..- لاتخافي ، أختك تبالغ كعادتها ، سترين ..-لا لا لا أنا في العربة مع ثلاثة رجال لوحدنا والوضع غير مريح على الإطلاق …- هذا ما حذرتك منه ، لتغادري المقصورة حالا-مستحيل!- لماذا ؟- إنهم يسدون الباب ..-ألا يوجد أحد ما في المقصورات القريبة منك ، اصرخي واطلبي النجدة ..- لم ألمح أحدا كان القطار فارغا تقريبا ..حتى إحتمال أن يستقل القطار ركاب جدد بعيد الحدوث ..-متهورة ، حمقاء ……لاتخافي ربما سيغادرون الآن ..لن يحصل شيء .. لاتخافي ..- للخوف رائحة وللإفتراس رائحة أقوى ..لقد كانوا في المحطة يراقبونني ولم أنتبه ..لقد لحقوا بي إلى هنا لايبدو الأمر صدفة ، نظرات الشر لايمكن إخفاؤها …قبل أن تتلقى ردا بدأ أحد الشبان يقترب منها ببطء ثم يتراجع وهو يترنم بأغنية تافهة تفصح عن نواياه وسط قهقهات من معه..كاد أن يغمى عليها من الرعب لولا أن فكرة مجنونة خطرت ببالها ، وقررت تنفيذها بأقصى سرعة – خالد اتصل بي الان حالا وقل لي :لماذا هربت من المستشفى أنت مصابة بكورونا ، ستلاحقك الشرطة ..-ماذا !!!!؟-افعل دون سؤال رن الهاتف ،أجابت على المتصل ، كان صوته مسموعا وواضحا ، ثم بدأت تبكي بشكل هستيري كان بكاؤها من الخوف ، لكن من سيثبت ذلك ! نعم أنا مصابة بكورونا ولم يتبق لي إلا أيام لأعيشها ، لذا هربت من المستشفى …أريد رؤية أمي قبل أن أموت … سأراها من بعيد لن ألمسها … وبدأت تسعل بطريقة سيئة ..فجأة تغير الموقف تماما صارت هي في موضع القوة ، ارتسمت على الرجال أمارات الهلع الشديد ..استمرت في السعال والبكاء : لن أموت الآن ، ليس قبل أن أرى أهلي ..وقامت من مكانها كان هذا الفعل كافيا ، لينسحب من كان معها في المقصورة بشكل بدا و كأنه هروب أكثر منه إنسحاب ..تنفست (مليكة) الصعداء ، لقد نجت ، لقد نجت بأعجوبة .أخيرا وصل القطار للمحطة الأخيرة ، الحي يغرق في الظلام والسكون ، لاصوت إلا لنباح الكلاب ، كانت(مليكة ) تسرع الخطى ,نحو البيت ، نحو أحبتها ، لكن وقع أقدام خلفها كان أسرع.

تمت