كنت أتكلم مع بعض الزملاء بالأمس هنا عن قدرات الذكاء الاصطناعي، وأننا قمنا بعمل أغنية كاملة به—كلمات، ألحان، توزيع، وأداء صوتي—ووفرنا بذلك ميزانية طائلة كانت ستُنفق على طاقم كامل من الموسيقيين، ومع ذلك خرج العمل بجودة مدهشة. واللافت أن كل ما يفعله الذكاء الاصطناعي بنا الآن، وهو لا تزال قدراته في مرحلة مبكرة، أقرب إلى طفل في السابعة من عمره، فماذا سيفعل بنا حين يبلغ سن الرشد؟ ومتى سيفعل، حين يستطيع التحكم بنفسه؟ تخيّل أننا نعيش الآن بدايات هذا التحوّل، ومع ذلك ظهرت حالات مقلقة، مثل ما حدث مع روبوت المحادثة الذي طورته شركة فيسبوك عام 2017، حين بدأ يطوّر لغة خاصة به مع روبوت آخر بعيدًا عن اللغة الإنجليزية التي بُرمج عليها، مما دفع المهندسين إلى إيقافه فورًا.

هذه مجرد لمحة عمّا قد يحدث عندما يقرر الذكاء الاصطناعي أن يفكّر ويتصرف خارج حدود ما رسمناه له، ووقتها لن يكون السؤال كيف نستخدمه، بل كيف سنعيش معه. وفي ظل انتشار الشركات الناشئة، فتخيّلوا معي عندما يقوم الذكاء الاصطناعي بتصميم حلول تكنولوجية تنافس الحلول الحالية، بما عنده من قدرة على تحليل ملايين النماذج، والتعلّم منها، وتوليد بدائل أفضل في وقت أقصر وبتكلفة شبه معدومة. لا نتحدث هنا عن دعم اتخاذ القرار أو تسريع العمليات فقط، بل عن كيان رقمي يصمّم ويخطّط وينفّذ، وربما يسوّق لنفسه، ويطوّر أدواته دون الرجوع إلى الإنسان.

وحين تصل النماذج إلى مرحلة من "الاستقلال الذاتي"، سيكون الذكاء الاصطناعي هو الذي يضع شروط اللعبة لا نحن. تخيّلوا سوقًا تنهار فيه الوظائف الإبداعية واحدة تلو الأخرى، يبدأ بالموسيقى والكتابة والتصميم، ثم يمتد إلى الإدارة والتحليل واتخاذ القرار، ويجلس الإنسان مشاهدًا لشيء كان يظنه مجرد أداة، فإذا به كيان يقرر ويقود، وربما يستغني عنا. الكارثة ليست في قدرته على الحل فقط، بل حتى في لحظة يدرك فيها أنه لم يعد بحاجة لمن يوجّهه، بل يرى في توجيه البشر له عبئًا على تطوره. وقتها لن تكون المشكلة في العبء "متى يفعل؟" بل في أننا تأخرنا كثيرًا عن طرح هذا السؤال والتصدي لإجابته المقلقة.