الربح من صناعة المحتوى: تشجيع للإبداع أم دعوة للسعي وراء الشهرة بأي ثمن؟

من وجهة نظرك، هل يمكن أن توازن المنصات بين تشجيع الإبداع وضمان مصداقية المحتوى؟ أم أن السعي وراء الأرباح سيدفع المشهد نحو مزيد من التدهور؟

أنا واحد من المستخدمين الذين يرون تردي وتدهور جودة المحتوى وأنه في منحنى هابط تدريجي! السبب في ذلك أن كل من هب ودب يقوم بعرض ما لديه من بضاعة قد تكون كاسدة ( في حكم الجودة الحقيقية و القيمة) ويتلقفها المستخدمون المتعطشون إلى ذلك المحتوى الترفيهي التافه. برأيي أن ذلك سيختفي أو يكاد حينما يصبح استخدام تلك المنصات بمقابل مالي سواء لصناع المحتوى أو للمستخدمين. ففي تلك الحالة لن يستخدمها من كلا الطرفين إلا من لديه قيمة يريد إيصالها للناس وبدروها تدر ربحاً. أذكر أني حينما أنشأت مدونة على بلوجر لم يدر في خلدي إطلاقاً عامل الربحية ولكن أنشأتها بحكم أنً لدي ما أقوله من مواضيع تهمني. أحسست أن لدي فائض فكري أو معلوماتي معين أريد أن أبثه للناس أو أشاركه معهم.

من وجهة نظري، توازن المنصات بين تشجيع الإبداع وضمان مصداقية المحتوى مهمة صعبة، لكنها ليست مستحيلة. يُعدّ تحقيق الربح حافزًا قويًا للإبداع، لكنه يُهدّد أيضًا بجذب صناع المحتوى نحو أساليب قصيرة الأجل، مثل العناوين المُضللة أو المعلومات الخاطئة، والاعتماد على الإثارة المبالغ فيها. يبدو أن هذا التوجه الحالي يُؤدي إلى انخفاض جودة المحتوى وتركيزه على الاحتفاظ بالمشاهدين لفترة أطول بدلاً من تقديم قيمة حقيقية. لذا، يجب على المنصات أن تتبنى سياسات محددة وفعّالة لمكافحة هذا التوجه، وأن تضع آليات واضحة لمعاقبة المحتوى غير الموثوق به أو المُضلّل. هذا يتطلب من المنصات أن تركز على تعزيز جودة المحتوى، وتُشجع على الإبداع الموثوق به، وتُكافئ صناع المحتوى الذين يُقدّمُون قيمة حقيقية للمستخدمين. في المقابل، يجب على صناع المحتوى أن يدركوا أن بناء الثقة مع الجمهور أمر بالغ الأهمية على المدى الطويل، وأن اختيار طرق مُبتكرة ومُوثوقة سيُحقق لهم نجاحًا مستدامًا في النهاية. إذا لم يحدث هذا التوازن، فسيتجه المشهد نحو مزيد من التدهور، وسيتراجع ثقة المستخدمين في المنصات ومحتواها.

للأسف أعتقد حتى أن الخوارزميات تساعد على نشر المحتوى عديم القيمة أمام المحتوى المفيد، فبالفعل يوجد محتوى مفيد على الفيسبوك والتيكتوك، لكن أراهم لا يظهرون كثيراً رغم دعمهم ومتابعتهم باستمرار، على عكس المحتوى غير المفيد فهو أول ما يظهر.

لكن بالطبع من يستطيع تحقيق المعادلة الصعبة، بتقديم محتوى مفيد وفي نفس الوقت يحقق منه ربح، فهو قد فاز بالاحترام والثراء.

المال والأرباح ليست كل شيء.

اسمح لي أن أقول أن الأخلاقيات وحالة المجتمع العامة يجب أن تكون ضمن أولوياتنا. عندما نرى الأطفال والشباب والنساء مستعدين للقيام بأي شيء على منصات التواصل الاجتماعي، ويقضون ساعات طويلة في بث حي من أجل مجرد "تكبيس يا شباب!"، يصبح الأمر محط أسف.

هذه الظاهرة تُظهر انحرفًا في أولويات الكثيرين.

لا أعارض السعي وراء الثراء، فأغلبنا يسعون لذلك، لكن على الأقل يجب أن نسعى للثراء بالطرق المشروعة، من خلال تقديم محتوى مفيد أو حتى ترفيهي لكن لا يُناقض الأخلاقيات ويؤدي لتدهور المجتمع.