كتبتُ أمس مقالًا عن " سببان إضافيان لهجر عالم المشهّيات الرقمية" وفيه تحدّثت عن أنّ استخدام مواقع التواصل تقلّل الملل، وتزيد القلق، وضربت على ذلك بالأمثلة.

وفي تعليقات المقال، فتح الحبيب @abdullah_ayysh عيني على نقطة، وهي نقطة التضحيات، كل قرار تتّخذه ينطوي على تضحية، سواء كانت بالبقاء في مواقع التواصل، أو في هجرها.

وكان ممّا كتب:

لا أعلم لماذا يقول البعض أن الفكرة صعبة التطبيق. نعم هي صعبة التطبيق ولا ينبغي على الجميع تطبيقها.
هناك قانون التضحية البسيط. إذا أردت الحصول على شيء فعليك أن تخسر شيئاً آخر في المقابل وهنا عليك القيام بموازنتك الخاصة لتحديد الأهم وما ستضحي به على حساب غيره.

ورأيتُ أنّ نقاش هذه الفكرة ممّا نحتاجه حقًا، وهي من اللوازم قبل طرح موضوع كبير مثل الإنعزال من العالم الرقمي وخوارزمياته المستحوذة على الانتباه. يجب أن نتمرَّن قبل أن ننطلق في السباق، ويجب أن نعرف ما ينتظرنا على الطريق قبل أن نخوض فيه.

كلّ خيار تضحية، أيّ واحدة ستختار؟

يأتي كل خيار مصحوبًا بشيء تُضحّي به، إذا أخترتَ ترك مواقع التواصل الاجتماعي، ستضحِّي بمنشورات الأصدقاء وربما حسابات العمل والتطوّر المهني. إذا اخترتَ البقاء على المنصّات، ستضحّي بجودة الأفكار التي ستتبدّدَ بقلّة وقت الإنعزال وزيادة القلق الاجتماعي على حسابه. تستطيع أيضًا أن تمسك العصا من الوسط.

لنناقش كل تضحية معاً.

التضحية رقم (1) : هجر مواقع التواصل كليًا

عندما نتحدّث عن تقنية صرفت ملايين الدولارات لإبقاء المستخدم لأطول فترة ممكنة، فإنَّ قرار التخلّي عنها صعب. لكن المفارقة تكون بأنَّ التخلّي عنها كليّا أسهل من أن تمسك العصا من الوسط. غضُّ البصر عن فاتنة أسهل من محاولة لجم النفس عن تمنّيها بعد النظر.

سعر التضحية: قد تفّوت منشور يهمّك، قد يفوتك تحديث زواج صديقك، قد يكون عملك معتمدًا على الشبكات الاجتماعية.

والآن فكّر بالسؤال: كيف تستطيع تحمّل كل واحدة من هذه التبعات؟ لا تحاول أن تمحي كل تبعة من الوجود، لكن كيف ستقلّل من أثرها عليك؟

التضحية رقم (2) : البقاء على مواقع التواصل

أعتقد أنّ الكثير جرَّب ترك مواقع التواصل لفترة ولم يُفلح، فقرّر أن يُرضي صوت ضميره بالبقاء، مشكلة هذا البقاء أنّ صاحبه يشعر كما لو أنّه يعرف الكثير عن أضرار هذه الشبكة، لكنّه لا يزال يستعملها. لا بأس، لا يستطيع الجميع ترك هذه الشبكات مرّة واحدة.

سعر التضحية: سيقل وقت الملل، ستزداد قلقًا مع بعض الترندات الصاعدة، ستضيّع أوقات كثيرة.

والآن سؤالك: كيف تستطيع -وأنت تستعمل الشبكات الرقمية- أن تقلّل هذه الآثار عليك؟

التضحية رقم (3) : مسك العصا من الوسط

الخيار الثالث يتضمّن ما يُسمى بالمينمالزم الرقمي، وهو أن تهجر بعض الشبكات التي لا تنسجم مع أهدافك، وتُبقي أخرى تساعدك في عملك.

وهذا أصعب، هو بمثابة أن تتمعَّن في محاسن شابة فتيّة، ثمَّ تدعو أن لا يُصيبك من دلِّها شيء. قد يأتيك يوم وتقرّر أن ما في الوصل من عار، وتصلُ ليلك بنهارك معها!

على خطورة هذا، لكن هذا ما أفعله، مثلًا عطّلتُ حساباتي على إنستغرام، سناب جات، تيك توك والآسك. وأبقيتُ حسابات فيسبوك وتويتر، فيسبوك لأنِّي أستخدمه لشراء بعض المنتجات رقميًا، وتويتر لنشر التغريدات الأدبية مع مجتمع صغير أحبّه.

سعر التضحية: ستأتيني أيّام وأخالف بها قواعدي، أقضي وقتًا إضافيا غير الذي خطّطتُ له هناك.

سؤالي يكون: هل ما أحصل عليه من هذه المواقع لا أملك له سبيلًا في مواقع أخرى؟ وكيف أتجنَّب وِصال الفاتنة حين تُعجبني؟

تنقّل بين التضحيات، لا تستقر على واحدة

لا تطبق التضحيات (1) هجر كلي و (2) بقاء كلي و(3) بقاء مشروط على الجميع شبكات التواصل الاجتماعي مرّة واحدة، ليس ضرورة أن تختار تضحية واحدة وتجعلها نهجك في الحياة الرقمية.

تستطيع أن تختار تضحية (1) لموقع معيّن وتضحية (2) لموقع آخر و تضحية (3) لموقع غيره.

تستطيع أن تغيّر موقع بعد فترة من الزمن، فترى مثلًا أن فيسبوك لم يعد يقدِّم منفعة كبيرة للبقاء كليًا، فتحوّله لبقاء مشروط لفترة وتقيّم النتائج.

كل الذي أريد أن أقوله في هذه المساهمة يتلخّص بهذه العبارة: كن واعيًا حين تستخدم تقنية ما، ليس الإعداد الافتراضي أن تستخدمها دومًا.