ذهبت بالأمس مع طفلي الصغير ذو الاحد عشر عاما الى تلك المستشفى الشهيرة في أحد ارقى مناطق الكويت لعمل فحص طبى تحت رعاية شركة التامين الصحي المتعاقد معها. لم تكن تلك اول مرة ازور فيها هذه المستشفى التي يشبه بناءها فنادق الخمس نجوم لكن الزيارة السابقة كانت ما يقرب من عام او كثر قليلا وقد اسعدني في الزيارة السابقة طريقة تعامل الموظفين التي تشى بمعرفة جيدة بأسس خدمة العملاء وأعجبني أيضا السرعة في انجاز التسجيل وانهاء الإجراءات المتعلقة بفتح ملف المريض والحصول على موافقات التامين الصحي وتوقيع الكشف حتى الحصول على الدواء من الصيدلية.

كل هذه الإجراءات كانت تتم عن طريق موظفي الاستقبال وعلى نظام المستشفى الإليكتروني بدون تدخل من العميل في اى شيء وكانت كل الإجراءات تتم في سرعة واتقان مع مراعاة أساليب خدمة العملاء.

في اثناء دخولي الى بهو المستشفى أمس لاحظت وجود العديد من أجهزة الخدمة الشخصية فادركت كخبير تحول رقمي ان المستشفى العريق طورت نظم واليات العمل وتحولت رقميا. توجهت الى مكتب الاستقبال لتأكيد الحضور حسب الموعد المحجوز هاتفيا فطلب منى موظف الاستقبال بطاقة ابنى الشخصية وبطاقته التأمينية فأعطيتهم له وبدأ إجراءات التسجيل وتأكيد الموعد لتوقيع الكشف الطبي على ابنى ، ثم طلب منا الانتظار لحين خروج المريض  الذى يسبقنا وانتظرنا لنحو نصف ساعة ثم نادت الممرضة على اسم ابنى فقمنا سويا للدخول الى الطبيب الذى وقع الكشف ثم طلب صور اشعة بالموجات الصوتية للتأكد من التشخيص. توجهنا الى قسم الاشعة وذهبنا الى مكتب استقبال القسم واعطينا الموظف طلب الاشعة المحرر من الطبيب وكذلك أوراق الهوية والتامين الصحي ، ما فات من إجراءات كان يشبه الإجراءات السابقة قبل التحول الرقمي للمستشفى ولكن من هذه النقطة لاحظت الاختلافات والاليات الجديدة للنظام فقد اعلمني موظف الاستقبال انه ادخل البيانات على نظام التامين ونظام المستشفى للحصول على موافقة التامين لعمل اشعة الموجات الصوتية وسيصلني رسالة على هاتفي المحمول من شركة التامين للتأكيد على موافقة التأمين على اجراء الاشعة وبعدها بقليل سيصلني رسالة أخرى من المستشفى بها رقم سرى يجب ان استخدمه على اجهزه الخدمة الشخصية المنتشرة في ارجاء المستشفى للحصول على رقم موعدي في عيادة الاشعة ، قبل التحول الرقمي للمستشفى كنت استقبل رسالة واحدة من شركة التامين للتأكيد على الموافقة ومن ثم أتوجه الى عيادة الاشعة وكان هذا هو الاختلاف الذى لاحظته حتى الان.

بعد حوالى عشر دقائق تلقيت الرسالة الأولى من شركة التامين وبها الموافقة على اجراء الاشعة وبعدها بخمس دقائق أخرى تلقيت الرسالة الثانية من المستشفى وبها الرقم السرى الذى احتاجه للحصول على رقم الموعد فى عيادة الاشعة وذلك بإدخال الرقم السرى في احد أجهزة الخدمة الشخصية.

توجهت الى جهاز الخدمة الشخصية القريب من موظف الاستقبال وتابعت التعليمات التي لم تكن واضحة فتحدثت الى الموظف طالبا المساعدة فبدا يرشدني لإدخال المعلومات المطلوبة حتى تم طباعة رقم الحجز.

قلت لنفسي لقد كان الامر ابسط من هذا وكنت لا اطلب مساعدة من احد، توجهت الى غرفة الاشعة مع ابنى الصغير وانتظرت قليلا حتى ظهر رقمنا على الشاشة فدخلنا واجرينا الاشعة ثم انتظرنا في الخارج لحين صدور تقرير الاشعة واثناء خروجنا رأيت موظف اخر يساعد احد المرضى في ادخال بياناته على أجهزة الخدمة الشخصية.

 في اثناء انتظار صدور التقرير جلست افكر كخبير في التحول الرقمي في امر التغيير الذى احدثته المستشفى في أنظمتها وسألت نفسى عدة اسئلة أيضا كعميل لهذه المؤسسة:

  1. هل التغيير الذي احدثته هذه المنظمة على نظم العمل فيها افاد العملاء؟
  2. هل الإجراءات الجديدة سهلة التنفيذ من قبل العملاء بأنفسهم؟
  3. هل حقق التحول الرقمي في هذه المؤسسة أهدافه المخطط لها ؟

ولأكون صادقا معكم عندما فكرت في إجابات هذه الأسئلة وتحليلها كانت النتيجة صادمة بعد خلصت الى ان التحول الرقمى لهذه المؤسسة كان فاشلا اذ انه لم يحقق أهدافه لتبسيط الإجراءات وتقليل الوقت والجهد والمال.

كانت الإجابات على هذه الأسئلة في ضوء ما رايته كعميل كالتالى

هل التغيير الذى احدثته هذه المنظمة على نظم العمل فيها افاد العملاء؟

التغيير الذى حدث في أسلوب عمل المنظمة من إضافة تكنولوجيا جديدة وانماط عمل مستحدثة لم يفيد العميل كثيرا بل أضاف عليه أعباء مختلفة مثل إطالة مدة الانتظار فهو الان ينتظر رسالتين على هاتفه المحمول بدلا من رسالة واحدة مع الاعتبار ان العميل غالبا هو شخص مريض او مرافق لشخص مريض وغالبا لا يرغب في الانتظار او زيادة وقت الانتظار.

هل الإجراءات الجديدة سهلة التنفيذ من قبل العملاء بأنفسهم؟

الإجراءات الجديدة غير معروفة وغير موضحة للعملاء في نشرات او لافتات وانما يقوم موظفو الاستقبال بإعلام العملاء بما يجب عليهم القيام به وتوجيههم الى أجهزة الخدمة الشخصية لتنفيذ الإجراءات المطلوبة للحصول على الموعد وكثيرا ما يقوم موظفو الاستقبال بترك أماكنهم والتوجه الى اجهزه الخدمة الشخصية لعمل الإجراءات المطلوبة نيابة عن العميل الذى يجهل في الأصل ما الذى يجب ان يقوم به على هذه الأجهزة، وهذه يضيف أعباء جديدة على الموظفين ويزيد من فترة الانتظار ووقت خدمة عميل واحد.

هل حقق التحول الرقمي في هذه المؤسسة أهدافه المخطط لها ؟

من خلال مشاهداتي بعين الخبير استطيع ان أقول ان التحول الرقمي لهذه المؤسسة لم يكن ناجحا ابدا حيث انه لم يحقق عدة اهداف استراتيجية لأى مؤسسة علاجية وهى تقليل وقت الانتظار للمريض ، تقديم خدمة افضل للعميل ، وأخيرا تقليل الإجراءات والجهد التي يقوم بها الموظفون وذلك لزيادة انتاجيتهم.

من خلال الدراسات والاحصائيات التي قامت بها العديد من الجهات العلمية المختصة عن نجاح وفشل برامج التحول الرقمي للمؤسسات فان نسبة الفشل في هذه البرامج تصل الى 70% وهى نسبة مخيفة حقا لأى شركة تريد ان تتحول رقميا لكنها نسبة حقيقة وواقعية ومثبتة بالدلائل العلمية ، تخيل انك تشترى سيارة فيراري لتنطلق بسرعة 300 كم في الساعة ثم تتفاجىء بان السيارة لا تستطيع الانطلاق الا بسرعة 100 كم في الساعة هى فى كلا الحالتين تسير لكنها لا تسير كما هو متوقع وقد تكون خسرت مالك التى دفعته لتحصل على ميزات اضافية لكنك لم تحصل عليها ، والحقيقة ان الكثير من الشركات تفشل في ان تتحول رقميا لعدة أسباب اجملها في السطور التالية:

السبب الأول: الفهم الخاطئ لمفهوم التحول الرقمي واعتباره انه فقط استخدام احدث التقنيات والحلول المتكاملة والتغاضي عن المفهوم الرئيسي للتحول الرقمي بانه تغيير شامل وكامل في هيكل المؤسسة ونظم العمل وثقافة المؤسسة ككل ونظرتها الاستراتيجية للحقائق والاهداف.

السبب الثاني: عدم وضوح الرؤية والهدف من التحول الرقمي واختلاطاتها بالفهم الخاطئ للتحول الرقمي انه فقط إضافة احدث الحلول التقنية الى منظومة العمل، وينتج عن عدم الوضوح تنفيذ مشاريع التحول الرقمي برؤى مختلفة واحيانا رؤى متضاربة حيث قد تتضارب الاهتمامات والرؤى والمصالح اثناء تنفيذ المشروع فيكون ناتج المشروع شيء اخر غير الذى توقعه أصحاب المشروع من البداية.

السبب الثالث: عدم مشاركة الجميع في صنع الاستراتيجية الكاملة والرؤية الموحدة للتحول الرقمي، وبالعودة الى المستشفى المذكورة في الحالة السابقة اكاد اجزم بان موظفين الاستقبال لم يتم سؤالهم عن آرائهم في إضافة تقنية أجهزة الخدمة الشخصية ولا عن كيف يمكن فعليا الاستفادة منها في تسريع الخدمة وإنجاز معاملات المرضى ولم يتم سؤالهم عن جدوى استقبال المريض لرسالتين على هاتفه المحمول لاعلامه بان بموافقة التأمين الصحى على اجراء الاشعة وتحديد دوره فى الدخول.

يوجد العديد من الأسباب التي تؤدى الى فشل برامج التحول الرقمي ولا قد لا يتسع المجال لذكرها هنا لكنى اكتفيت بتوضيح الأسباب التي تتقارب مع حالة المستشفى التي زرتها بالأمس.