في مسلسل Black Mirror، هناك حلقة Nosedive علّقت في ذهني كثيرًا حين شعرت البطلة أن كل تصرف تقوم به يُقاس برقم، وكل ابتسامة أو كلمة يتم تقييمها. لم تتكلم، فقط حدّقت في هاتفها كأنها ترى نسخة أخرى من نفسها تولد تحت ضغط الآخرين. تلك اللحظة لم تكن عن التقييم نفسه، بل عن التحوّل الداخلي. كيف يمكن لتوقعات الناس المستمرة أن تعيد تعريف الشخص لنفسه؟ البطلة لم تصبح سطحية فجأة، بل كانت تُبرّر كل تصرف باعتقادها أنها تفعل ما يجب لإرضاء المجتمع، ومع كل تقييم إيجابي أو سلبي، كانت ملامحها تتغير ببطء حتى لم تعد تعرف من هي حقًا. وهذا ما يحدث معنا كثيرًا: كم مرة نفعل أشياء صغيرة ونبررها لأنفسنا كتصرف اجتماعي أو لمجرد إرضاء الآخرين، حتى نصحو يومًا ونكتشف أننا ابتعدنا كثيرًا عن الصورة التي كنا نظنها نحن؟ ربما لا يولد التزييف فجأة، بل يتسلل إلينا تحت غطاء النوايا الحسنة.
كيف يمكن لتوقعات الناس المستمرة أن تعيد تعريف الشخص لنفسه؟ من مسلسل Black Mirror
إذا أصبحنا مرهونين بآرائهم، قد نفقد جزء من انفسنا دون أن نشعر، حتى نكتشف أننا ابتعدنا عن من نحن فعلاً. علينا أن نسأل أنفسنا: هل نفعل شيئ لإرضاء الآخرين أم لأنه يعكس قيمنا الحقيقية؟ هذا يساعدنا على الحفاظ على هويتنا. وأيضًا اختيار من حولنا مهم؛ إذا كنا مع أشخاص يشجعوننا على الصدق مع أنفسنا بدل الضغط علينا، سيكون أسهل أن نعيش حياة متوازنة ونبقى على طبيعتنا.
كلامك فعلاً منطقي، لكن أحيانًا حتى ونحن نعرف أننا نُرضي الآخرين أكثر من أنفسنا، لا نستطيع التوقف بسهولة. ربما لأننا نخاف أن نخسرهم، أو لأننا سئمنا من الشعور بالرفض.
ما قلتهِ عن اختيار من حولنا صحيح جدًا، لكن المشكلة أننا لا نعرف منذ البداية من يحبّنا على حقيقتنا إلا بعد أن نكشف وجوهًا كثيرة.
ربما التحدي الحقيقي ليس أن نكون صادقين مع أنفسنا، بل أن نتحمّل نتائج هذا الصدق دون أن ننهار.
المشكلة أن أحيانا لا شعورياً نعيد برمجة أذواقنا على أذواق الأخرين فتختلط علينا أيها أذواقنا وأيها أذواقهم، لذلك مهمة كل مربي أن يعطي الطفل كل الحرية في اختيار ما يشبهه ويعبر على نفسه بدون ضغوط، أما إذا تأسس الإنسان بطريقة لا يسمع فيها صوته، فمع الوقت يصعب عليه أن يفرق بين صوته الذاخلي وبين صوت غيره، وتصبح أي محاولة للنقد هي عميلة هادمة للذات تؤذي بالشخص إلى إكتئاب حاد وأمراض نفسية خطيرة .
أتفق معك، وهذا شيء أعيشه يوميًا، خصوصًا على وسائل التواصل الاجتماعي. أحيانًا أجد نفسي أكتب أو أتصرف بطريقة لمجرد اللايكات أو التعليقات الإيجابية، لا لأنني شعرت بها حقيقة. مرة، كتبت منشورًا صغيرًا عن شيء أحببته حقًا، ثم عدت لأحذفه بعد أن رأيت أنه لن يحصل على ردود كثيرة. شعرت بعدها بشيء غريب لم أكن أنا من كتب المنشور، بل نسخة مني تسعى لإرضاء الآخرين. هذا ما أقصده بالتزييف الذي يتسلل بهدوء ليس فجأة، بل خطوة خطوة، حتى تصحو يومًا وتكتشف أنك فقدت جزءًا من نفسك الحقيقية.
أعجبتني فكرة أن التزييف لا يولد فجأة، بل يتسلل بهدوء حتى نصبح نسخة مصقولة لعيون الآخرين لا لأنفسنا. أحيانًا نظن أننا نختار بحرية، لكن في الحقيقة نعيد تدوير ما ينتظره المجتمع منا ابتسامة محسوبة، قرار مبرَّر، وحتى أحلام متوقعة.
ربما التحدي الحقيقي ليس في رفض رأي الآخرين تمامًا، بل في ألا نسمح له أن يبتلع صوتنا الداخلي.
صحيح ما قلته فالواقع أن الناس كل يوم يبيعون أنفسهم من دون أن يشعروا. ليس خوفًا من فقدان الآخرين فقط، بل خوفًا من مواجهة الفراغ الداخلي. نضحك لأن الجميع يراقبنا، نحب لأن المجتمع يتوقع الحب، نختار مسارات حياتنا كما لو أننا نسير على خط رسمه أحدهم منذ البداية. الصادم أن أكثرنا لا يعرف ما يريد حقًا، وأن الحرية مجرد وهم يزيّن استسلامنا. والأدهى أولئك الذين يظنون أنهم مختلفون، غالبًا ما مجرد نسخة أكثر براقة من نفس القالب.
أرى أن الإنسان يفقد ذاته تدريجيًا حين يجعل نظرة الآخرين هي المعيار لكل تصرف يقوم به. من الطبيعي أن نهتم بآراء الناس لكن الخطر يبدأ حين نعيش لإرضائهم فقط لا يمكن للمرء أن يعرف نفسه حقًا إلا عندما يتصرف بحرية حتى وإن خالف التوقعات ربما يكمن التوازن في أن نصغي للآخرين دون أن نسمح لأصواتهم أن تطغى على صوتنا الداخلي
صحيح ما تقولين، لكن دعينا نكون واقعيين كم مرة نسمح لآراء الآخرين أن تتحول من مجرد نصيحة إلى حكم نهائي على حياتنا؟ أحيانًا أجد نفسي أوافق على أشياء لا أحبها، فقط لتجنب الخلاف أو شعور بالرفض، وبعدها أكتشف أني خسرت شعورًا بسيطًا بالحرية. التوازن الحقيقي يبدو كرقصة صعبة: نصغي للآخرين، لكن نحتفظ بحقنا في الاختيار، ونقرر ما يهمنا وما نرفضه. وأحيانًا يبدو أن أكبر خطأ نرتكبه هو الاعتقاد بأننا مستقلون في قراراتنا، بينما في الواقع جزء منا يعيش في قفص توقعات الآخرين. لديك تجربة شعرت فيها أنك تمثلين أمام الناس بدل أن تكوني نفسك؟ أعتقد أن هذه اللحظة تكشف كثيرًا عن حدود حرية الفرد في مجتمعنا اليوم.
التعليقات