تستعرض الحلقة الأولى من الموسم السابع من بلاك ميرر خطف الأميرة سوزانا، وهي من أفراد العائلة الملكية البريطانية. لإعادة الأميرة، يطلب الخاطف من (كالو) رئيس الوزراء، أن يمارس فعل مخل ببث حي ومباشر على التلفزيون، وإلا فإنه سيقتلها. يرفض “كالو” ابتزازه بهذه الطريقة، لكن الرأي العام يتحول تدريجياً ضده. تحت الضغط، يوافق كالو في النهاية على تلبية الطلب ثم ينفذه. ينتحر الخاطف أثناء البث ويُكتشف فيما بعد أنه فنان، كان يخطط لهذا العمل لكي يظهر للناس هوسهم بالإعلام. حيث لا يتوقف أي شخص عن متابعة هذا الأمر المؤذي نفسياً والمدمر لحياة الآخرين، وبالإسقاط ترتفع تراندات بصفة شبه أسبوعية لأشخاص في الحقيقة يمتهنوا دور العاهرة في عرض سلوكياتهم أو كلماتهم أو حركاتهم البذيئة من الرجال والنساء بهدف جذب الأنظار ((ولا أحد في الحقيقة يقاوم رغبة الضغط على مشاهدة هذا المحتوى)) حتى وإن كان بدافع الفضول فيرتفع نجم هؤلاء ويعاني أصحاب المهارات أو المواهب الحقيقية من عرض مواهبهم لأنها غير جذابة مثل شخص يحمل علم مصر ويرقص بملابس وشكل مخل .. فكيف بوجهة نظرك يمكن إيقاف العهر الإعلامي والثقافة الجماهيرية الفاسدة؟
لماذا نحن مهوسون بالإعلام أو الترند الفاسد؟ مسلسل Black Mirror
إذا سألنا أصحاب هذا النوع من المحتوى عن السبب الذي يجعلهم يقدمونه، سيقولون ببساطة إن هذا ما يحبه الجمهور، وما يحقق لهم مشاهدات وانتشارًا وربحًا ماديًا، وبالتالي يعود عليهم الأمر بالراحة والنفع، لذلك برأيي لن نتمكن من إيقاف هذه الثقافة الفاسدة تمامًا، لأننا سنجد دائمًا من يحب هذا النوع من المحتوى ويشاهده حتى بدافع الفضول، وحتى مع كل حملات التوعية بخطورته وتأثيره، سيبقى له جمهوره الذي يغذيه ويبرر وجوده، وأقصى ما يمكننا القيام به هو تقليل مساحة انتشاره داخل دوائرنا، ونشر محتوى بديل أكثر وعيًا وجاذبية، ومقاومة هذا التيار بالتجاهل الواعي وعدم منحه الاهتمام الذي يسعى إليه.
إذاً يقع اللوم على الجمهور من وجهة نظرك أوبمعنى أدق على وعي الجمهور .. ولكن ما الذي ساهم في تغييب هذا الوعي .. وهل يمكن القول أن الخورزمية التي تنشر هذا المحتوى الضال بشكل فيروسي هي السبب .. ألا يمكن القول أنه يمكن عن طريق كتابة بعض الأكواد البرمجية ودمجها مثلاً مع ذكاء أصطناعي المساهمة في عدم نشر هذا المحتوى أو تقليل أنتشاره ، وزيادة نشر المحتوى الإيجابي (طالما أن هذا في مصلحة الجمهور العام المغيب الذي لا يستطيع أخذ هذا القرار بنفسه) .. أم أن هذا يعد أختراق لحقوق المشاهد المغيب في تحديد ما يرغب في رؤيته؟
ليتنا نستطيع تحقيق ذلك بأي شكل، ولا أعتقد أنه يُعد اختراقًا لأي حقوق، بل هو توجيه ذكي للمحتوى نحو ما يفيد الناس ويحمي وعيهم، خصوصًا عندما يكون جزء كبير من الجمهور يتأثر بما يُعرض عليه دون تدقيق، فالخوارزميات اليوم تؤثر فعليًا في تشكيل الرأي والذوق العام، وإن كان بالإمكان استخدام الذكاء الاصطناعي لفرز المحتوى ودعم الإيجابي منه دون فرض مباشر، فهذا في نظري واجب أخلاقي قبل أن يكون خيارًا تقنيًا.
المنصات لن تغير خورزميتها من أجلك .. بل بالعكس يتم كتابة ونشر تلك الخورزميات خصيصاً لك .. لحاجة في نفس يعقوب.
وهنا تأتي الصعوبة الثانية (ليس في كتابة الأكواد) لكي يمكنك التحكم فيما يجب وما لا يجب أن ينتشر بين الناس .. بل في وجود لديك منصة قوية - مثل تيك توك - ولكي يكون لك منصة قوية .. يجب بالضرورة أن يكون لديك بنية تحتية تقنية قوية لتسهم في تحقيق تلك المنصة لتكون بديل .. ولكي يتم ذلك يجب أن يكون لدي الدولة هدف و كذلك لكبار رواد الأعمال لأن تلك البنية التحتية التي تساعد في تنفيذ تلك المنصات لن تبنى من تلقاء نفسها .. ولكي تقوم هذه الدولة بهذا الدور يجب أن يكون لديها تمويل ضخم وأستعداد واضح لمنافسة تلك الدول التي تملك وتتحكم بتلك المنصات - والتي لن تسمح لك بالنمو- وهنا تبرز ضرورة بناء الوعي أولاً لدي الشعب للقيام بهذا الدور .. وطالما بنيت وعي شعبك (دون خوف من تابعات ذلك سياسياً عليك) سيكون لديك بالمقابل إستعداد واضح من الناس أولاً لرفض هذا المحتوى بشكل تلقائي ، وثانياً التركيز على بناء خطوط الدفاع والبنية التحتية والمنصات البديلة .
التعليقات