في مسلسل ساعته وتاريخه الذي يحكي قصص وحوادث من الواقع لفت نظري مشهد تقوم فيه أحد الشخصيات بالانفصال عن خطيبته لأنها كانت تساعد فتاة غيرها وتحميها من تحرش مجموعة من الرجال حاصروا المكان الذي هي فيه لأن ملابسها لم تكن لائقة على حسب رأيهم مما برر لهم سلوكهم المريض، والغريب أكثر أن الشخص الذي انفصل عن خطيبته انفصل عنها لأنه حسب رأيه تدافع عن فتاة متحررة قليلة الحياء وطالما تدافع عنها فهي مثلها! الحكم بالمظهر آفة تصيب كل المجتمعات بدرجات وطرق مختلفة على حسب عادات كل مجتمع وثقافته، والمشكلة ليست فقط في الحكم كتصنيف ولكن عندما يؤخذ على أساسه ردود فعل معينة كنتيجة له، ففي مثال المسلسل عندما حكموا على أخلاق وأدب الفتاة من ملابسها برروا التحرش بها بل وهاجموا من حموها! كذلك نرى أمثال أخرى كثيرة حين يحكمون على الشخص الهادئ أنه مغرور أو منطوي أو كئيب وممل أو عندما يحكمون على الشخص الجميل أنه غبي أو سطحي أو مستغل! لا أقول بشكل مطلق أن المظهر لا يعطينا انطباعات أولية عن الأشخاص ولكن لا يجب بأي حال من الأحوال أن يكون أداة قطعية لسن الأحكام النهائية على البشر بل والاعتداء عليهم أو أذيتهم قولًا أو فعلًا حتى ولو ثبت صحة الحكم، فطالما الإنسان لا يضر غيره بما يفعله على الآخرين ألا يضروه بما يعتقدوه أو يطبقوه في حياتنا، فنحن بشر ولسنا إله!
مسلسل ساعته وتاريخه: الحكم على الآخرين بالمظهر أم بالسلوك؟
رغم أنه لا يجب أن نحكم من الملبس ولكن يجب أننا كأشخاص أن نضع باعتبارنا هل ملابسنا هذه تليق بالأماكن التي نذهب لها، يعني ملابسها كانت غير ملائمة تماما مع المكان الذي ذهبت إليه، حتى بالبداية كانت تعامل الفتاة التي ساعدتها بطريقة بها تعجرف نوعا ما، ولكن الفتاة الثانية هي التي كان لديها مبدأ لذا دافعت عنها، المقصد أن صحيح لكل فرد حرية ولكن يجب أن يحترم المجتمع من حوله لأنه جزء من هذا المجتمع
الحكم على الآخرين بالمظهر هو مرض اجتماعي يعكس سطحية في التفكير وضعفًا في القدرة على فهم الآخر. هذا النوع من الأحكام لا يقتصر فقط على إيذاء المشاعر، بل قد يؤدي إلى عواقب وخيمة مثل التمييز، التنمر، وحتى العنف. المشكلة ليست فقط في الحكم نفسه، بل في تسويغ السلوكيات السيئة بناءً على هذا الحكم كما حدث في المشهد الذي تم تبرير التحرش بسبب ملابس الضحية.
لكن الأكثر إثارة للقلق هو أن هذا النوع من التفكير يقتل الإنسانية فينا. عندما نحكم على شخص لأنه يرتدي ملابس معينة، أو لأنه يبدو هادئًا أو مختلفًا، فإننا ننسى أننا بشر قبل كل شيء. ننسى أن لكل شخص قصة، ظروف، وأسباب تجعله كما هو. ننسى أن الاختلاف هو جزء من طبيعة الحياة.
كيف نسمح لأنفسنا أن نكون قضاة على الآخرين بينما نحن لسنا معصومين من الخطأ؟ كيف نبرر لأنفسنا أن نؤذي شخصًا آخر فقط لأنه لا يتوافق مع توقعاتنا أو معاييرنا؟ هذه الأسئلة يجب أن تطرح على كل فرد في المجتمع.
هذا يحدث عندما يتم برمجة العقل على أن الاختلاف هو جريمة وبالتالي ينصب الإنسان نفسه قاضيا لمعاقبة المجرم على جريمته، ويصبح الأمر أصعب عندما يتم بناء الأحكام من منظور ديني لأنه يجعل الاعتراض على طريق معاملة الاختلاف هو نوع من الاعتراض على الدين نفسه مما يضع أي شخص يدعو للتسامح أو قبول الاختلاف في مأزق بسبب الابتزاز الذي يتعرض له. على سبيل المثال أغلب الناس يبررون ما حدث للفتاة كون أن ملابسها لا تصح في الدين والغريب أنهم يتناسون أن التحرش أو الاعتداء بل حتى النظرة الحرام حتى لا تصح أبدا في الدين.
للأسف يا رنا، نحن نواجه النظرة السطحية في كل مكان، ولا أستطيع أن أخفي شعوري بالدهشة حين قرأت هذا الحدث. كنت أتوقع أن يكون الرجل في المسلسل واقفًا بجانب خطيبته ويدعمها في موقفها النبيل، لكنني صدمت عندما تركها، مما يبرز كم هو سطحي في تفكيره. هذا النموذج لا يعكس فقط تفكير شخص واحد، بل يعكس للأسف نمطًا موجودًا في الكثير من الرجال الذين يفضلون الحكم على الآخرين بناءً على مظهرهم فقط، دون التعمق في نواياهم أو سلوكهم.
نحن بحاجة لإعادة التفكير في هذه الأحكام المسبقة وتغيير طريقة تعاملنا مع الآخرين. الأهم هو أن نتعامل مع الناس بناءً على أفعالهم ونواياهم، لا على صورهم أو سلوكهم الظاهر فقط.وان أحيانًا الجهل وتطبيق الأحكام المسبقة يجعل البعض يوجه اللوم إلى الضحية نفسها.
أتفق معك في أن الحكم على الأشخاص بناءً على مظهرهم مشكلة منتشرة، لكنها ليست دائمًا ظالمة أو غير مبررة.ولكن يبقى المظهر هو انعكاس لقيم الشخص واختياراته، حتى لو لم يكن ذلك انعكاسًا كاملًا لشخصيته. المشكلة ليست فقط في الحكم على الآخرين، بل أيضًا في إنكار تأثير المظهر على تشكيل الانطباعات الأولية، وهو أمر طبيعي وموجود في كل المجتمعات.
رأيت كيف أن الانطباعات الأولى غالبًا ما تؤثر على الفرص والعلاقات، سواء كان ذلك في مقابلات العمل أو في الحياة الاجتماعية. الحكم السريع على الآخرين قد يكون أحيانًا خاطئًا، لكنه في بعض الحالات يكون مبنيًا على خبرات متراكمة وملاحظات سابقة، وليس فقط على أفكار مسبقة بلا أساس.
أما في حالة المسلسل، فبالطبع لا شيء يبرر التحرش أو التعدي على الآخرين، لكن التمرد على معايير المجتمع السائدة له تبعات، سواء كانت عادلة أم لا. المجتمعات ليست كيانات محايدة، بل لها قواعد ثقافية وأخلاقية، ومن يخرج عنها عليه أن يكون مستعدًا لمواجهة ردود الفعل، سواء كانت إيجابية أو سلبية.
بل لها قواعد ثقافية وأخلاقية، ومن يخرج عنها عليه أن يكون مستعدًا لمواجهة ردود الفعل، سواء كانت إيجابية أو سلبية.
ولكن يا عفيفة لكل إنسان الحق في أن يعيش حياته كما يريد طالما أنه لا يضر غيره هذه أساسيات مفهوم الحرية التي خرجت مجتمعاتنا ثورات تنادي من أجلها، فلماذا نناقد أنفسنا وننصب أنفسنا فيما بعد قضاة لنحاكم أي إنسان قرر أن يختلف بشكل أو بآخر عن معايير في النهاية وضعها بشر أي تحتمل الصواب والخطأ، وحتى وإن كانت صحيحة هل حساب الآخرة بيدنا أم بيد الله! الله هو من يحاسب فيجب ألا نتعامل من منظور متعالي عن المختلفين وكأننا ملائكة بدون أخطاء وسندخل الجنة بدون حساب.
الحكم على الآخرين بالمظهر بدلاً من السلوك يعكس سطحية التفكير ويؤدي إلى قرارات غير عادلة. المشكلة تتفاقم عندما يتحول هذا الحكم إلى تبرير للأذى أو فرض وصاية على الآخرين. التقييم الحقيقي يجب أن يكون بناءً على الأفعال والنوايا، لا على المظهر الخارجي الذي قد يكون خادعًا. فكم من شخص يبدو ملتزمًا لكنه بعيد عن الأخلاق، وكم من شخص كُتب عليه سوء الظن لمجرد اختلافه عن التوقعات المجتمعية
التعليقات