المسلسل قدم حالة طبية من نسج الخيال تختص بمتلازمة تجعل أصحابها يصابون بالفواق إذا كذبوا، وهو بدوره ما يجعلهم غير قادرين على الكذب أبدًا وتحت أي ظرف، وهو ما دعاني للتفكير في ماذا لو كنا جميعًا لا نستطيع الكذب؟! ربما للوهلة الأولى نظن أنه أمر جيد كون الكذب في حد ذاته صفة مذمومة ولكن واقعيًا أرى أن الحياة لا يمكن أن تستمر بدون كذب، وعمومًا الحياة لا تستمر بدون توازن بين كل شيء وعكسه، فحتى الشر يأتي من ورائه خير، ولكن ليس بالضرورة أن ندرك ذلك الخير، ولهذا فالكذب ضرورة أحيانًا، وأعني على الأقل في حالة النوايا الجيدة والتي لا تهدف للأذى، وبمثال بسيط فكيف يمكننا مثلًا جرح مشاعر شخص قد بذل مجهود من أجلنا في شيء ونصارحه بأنه لم يعجبنا! حتى العمل نفسه قد يضطرنا بشكل إجباري للكذب، والهدف في هذه الحالة قد يكون المصلحة العامة أو تجنب أضرار قول الحقيقة.
مسلسل بينوكيو: كيف ستكون الحياة لو كنا جميعًا لا نستطيع الكذب؟
لكني أجد أنه في معظم الأحيان يكون هناك طريق بين الكذب والصدق وهو التورية وتغيير الموضوع بشكل ما عند الكلام أو ذكر امر مشابه لكنه لا يمثل كذبة، وأمور مثل هذه كثير فالخيار لا يكون دائمًا بين الصدق المباشر والكذب المباشر دائمًا فمعظم الحالات يكون هناك مجال لكذب موارب وصدق موارب لا يحسبوا على الضدين أو يخففوا من وطئتهم.
وتغيير الموضوع بشكل ما عند الكلام أو ذكر امر مشابه لكنه لا يمثل كذبة،
شخصيًا قمت بذلك مرات عديدة، حتى أتجنب أن أقول حقيقة مؤلمة، أو أن أضطر للكذب، ولكني لا استخدم هذا الأسلوب إذا كان موقف يخصني بشكل شخصي أو يخص قرار يعنيني، لأنه الكذب هنا أنا من سيدفع ثمنه، وعادة أشعر أن التهرب من قول الحقيقة في بعض المواقف المصيرية هو خوف من المسؤولية اللاحقة، أو تجنب لنقطة المواجهة، لذلك الصراحة دائمًا ما تنم عن قوة والعكس ما الكذب، بمعنى أننا نعرف جيدًا أننا عندما نكذب هذا لأننا في موقف ضعف.
لكني أجد أنه في معظم الأحيان يكون هناك طريق بين الكذب والصدق وهو التورية.
وكذلك عدم ذكر حقائق معينة هامة حتى وإن لم نُسأل عنها، كعدم ذكر أضرار منتج ما نتحدث عنه لأنه لا يوجد شخص ما سألنا عن الأضرار، وبالنسبة لهذا الشخص هنا فهو لم يكذب لأنه لم ينكر عدم وجود أضرار هو من الأصل لم يذكرها، ولكن كل هذه الحالات ما هي إلا طرق ملتوية لتحقيق نفس الهدف في النهاية، فهذا الشخص الذي لم يذكر الأضرار كان سيتأثر بالسلب لو ذكرها وإن تم سؤاله عنها كان سيكذب بشأنها، أي في كل الأحوال النية واحدة.
بالطبع في بعض الأمور يكون هذا تهرب مذموم وطريقة ملتوية لكن فالنهاية الأمر يرجع للموضوع نفسه والموقف والنية مهمة أيضًا فإذا كانت التورية ومحاولة اخفاء الحقيقة غرضها الأساسي الضرر فهنا يمثل الأمر مشكلة أخلاقية وبالتالي يكون كالكذب تمامًا، لكن في كثير من الأحيان يكون الأمر لتخفيف حدة الحقيقة مثلًا على المتلقي وهذا أمر لا أجد فيه شيء طالما لم يدخل في الكذب البواح.
يكون الأمر لتخفيف حدة الحقيقة مثلًا على المتلقي .
أنا عن نفسي أميل لذلك طالما أن المصارحة التامة ستأذي المتلقي أو تجرح مشاعره، لذا ربما أقول الحقيقة ولكن أغير في دوافعها أو أسبابها شيئا ما، فمثلا أقول أن هذا الاقتراح لا يعجبني ولكن ليس لأن الاقتراح نفسه به مشكلة ولكن لا يناسبني أنا شخصيا، فتكون المشكلة لدي بما لا يؤثر على الطرف الآخر.
سيبدو الأمر غريبًا لو دافعت عن رذيلة، أليس كذلك؟
ولكن فلسفتي الخاصة تدعونني إلى فعل ذلك، فأنا أرى أن جتى الفضائل يمكنها أن تصبح رذائل عند نقطة ما، مثل الصدق الذي قد يتحول إلى "قلة ذوق" أو "الشجاعة" التي قد تصبح "تبجح" وقد تودي بصاحبها إلى الهلاك. لذلك فإن مفهوم الفضيلة والرذيلة به اختلاط لدي بعض الشيء. لكن ليست هذه القصة الأساسية،
فهناك فيلم آخر لا أتذكر اسمه، كان يوجه نفس السؤال الافتراضي، في عالم خالي تماما من الكذب، تخيلي لو أن مفهوم الكذب غير موجود. كل ما تقولينه يجب أن يصدقه الآخرون. الأمر كان مملًا إلى درجة مرعبة. أعتقد أن هذا الكذب هو ذرة الملح التي تُضاف إلى عجينة الكيك.
الأمر كان مملًا إلى درجة مرعبة. أعتقد أن هذا الكذب هو ذرة الملح التي تُضاف إلى عجينة الكيك.
ألتمس ذلك في حالات كثيرة، فتخيلي مثلا حياة بلا مفاجأت لطيفة لأننا لا نستطيع الكذب بشأن ما نخطط له، أو الإجبار على فعل شيء ما لأننا لا نستطيع التهرب منه بعذر لطيف بدلا من الحقيقة المحرجة، أو مئات العلاقات التي ستهدم لأننا لا نستطيع مجاراة بعضنا البعض فيما نحب، أو لأننا لا نستطيع إضافة بعض من المبالغات الضرورية في حديثنا.
دعينا ننظر إلى الجانب الإيجابي أولاً، ففي حالة اختفاء الكذب من حياتنا سيختفي الفساد تقريباً من جميع جوانبها، فهناك عدداً هائلاً من العناصر الفاسدة في مختلف المهن التي تعتمد بشكل كبير على الكذب في عملها، على سبيل المثال بعض المحامين الذين يستغلون مجال عملهم في إخراج المتهمين من السجون، و مندوبي المبيعات الذين يسعون إلى بيع بضائعهم حتى لو كلفهم ذلك الكذب وذكر مزايا غير موجودة في تلك البضائع.
أما من الناحية السلبية فقد يؤثر ذلك على بعض الحالات المرضية الصعبة التي يضعف مناعتها التصريح بحالتها الحقيقية، ويؤدي إلى فقدانها للأمل في العلاج وبالتالي تدهور حالتها النفسية والصحية، وكذلك في حالة رغبتنا في الصلح بين المتخاصمين يكون الكذب أحيانا هو الحل الأمثل لتحسين صورة كل منهما في عين الآخر.
لذا أباح ديننا الكذب في تلك الحالات فقط، وأرى أن اتباع تعاليم الدين في تحريم الكذب بشكل عام واقتصاره فقط على الحالات السابق ذكرها سيعود بالخير على العالم كله.
بعض المحامين الذين يستغلون مجال عملهم في إخراج المتهمين من السجون.
حتى الجانب الجيد في هذا الأمر له جانب سيء، ففي حالة هذا المثال ربما نتخلص من المحامي الفاسد ونعاقب مجرم يستحق العقاب، ولكن ماذا عن محامي يكذب من أجل إظهار الحقيقة وتبرئة شخص مظلوم بالفعل؟ هنا المعضلة لأن حتى كشف الحقيقة يحتاج منا للكذب أحيانا، بل وبكسر القواعد كذلك.
ولماذا يحتاج إلى الكذب طالما أن موكله بريء؟ في حالة كون الشخص مظلوم لن يكون المحامي في حاجة إلى الكذب لإظهار الحقيقة، أعتقد أنه في هذه الحالة ستكون الحقيقة وحدها قادرة على تبرئة المظلوم وليس الكذب.
كشف الحقيقة هو ما يحتاج للكذب، لو كانت الحقيقة معلومة ما كانت هناك حاجة لمحامي ولا لمحاكمة من الأصل، مثال بسيط فلنفترض أن المحامي توصل لأن إثبات براءة المتهم متوقف على إيجاد دليل في مكان معين واضطر للكذب بشأن هويته حتى يدخل لذلك المكان ويحصل على الدليل، هذا كذب من أجل كشف الحقيقة.
استسمحك آنسة رنا بالتعقيب في هذا المقتطف :
فكيف يمكننا مثلًا جرح مشاعر شخص قد بذل مجهود من أجلنا في شيء ونصارحه بأنه لم يعجبنا
التصريح بالحقيقة القاسية يسهل ابتلاعها طالما كانت مبكرة و في وقتها الفعلي دون كذب و تأجيل ، و لكن سيكون ابتلاعها صعب جدا و صادم عندما تنحجب و تتأجل لأن ذلك يعني أن الشخص الذي وثقت في صدقه قد كذب عليك و جعلك تحمل ظنا زائفا ..
كلامك لا أختلف عليه ولكن هذا على حسب الحالة، في المثال الذي ذكرته فالأمر أبسط بكثير، فمثلا تخيل أن صديق لك قام بترتيب منزلك من أجلك لأنك مريض، وأراد معرفة رأيك وينتظر منك امتنان بسيط وشكر لطيف، هل يمكنك مثلا في هذه الحالة أن تصارحه أنك تحب ترتيب بيتك بشكل معين وترتيبه يزعجك؟ بالتأكيد لا، ببساطة الأفضل أن تشكره ومن ثم تعيد ترتيب بيتك في وقت آخر، ومن أجل التأكيد على عدم معاودة الأمر، أخبره في وقت لاحق وبطريقة لطيفة أنك بشكل عام ترتب أغراضك بشكل معين، هنا سينتبه أن فكرة الترتيب غير جيدة إذا أراد دعمك أو مساندتك.
نعم هذه الحالة مقبولة و يمكننا تطييب خاطر الصديق و سنشكره بالطبع ، و أيضا حتى لو صارحناه بالحقيقة في نفس الوقت دون تأجيل فلا أعتقد أنه سينزعج منا ، بل بالعكس قد يشكرنا لأننا صارحناه و لم نجعله يحمل انطباع عن كوننا مجاملين على حساب الحقيقة و على حساب أنفسنا و ما نحتاجه و ما نشعر به حقا ، فالمهم هو أن نقوم بتعويد أنفسنا على تعجيل قول الحقائق بنبرة و بأسلوب مهذب لبق مع إعلام الآخرين بأننا لا ننوي جرح مشاعرهم حين نشعر بأنهم لم يفهموا مقاصدنا و نبراتنا و حملوها تحميلات غير التي نويناها بالفعل ..
قد يشكرنا لأننا صارحناه و لم نجعله يحمل انطباع عن كوننا مجاملين على حساب الحقيقة و على حساب أنفسنا و ما نحتاجه و ما نشعر به حقا.
قد يحدث هذا بالفعل ولكن الأمر يتوقف على شخصية كل واحد منا في التقبل، لأن بعض الأشخاص يكونوا حساسين شيئا ما، فحتى لو صارحتهم بألطف طريقة ممكنة، في داخلهم سيظنون أنك منزعج منهم وتكذب في ردة فعلك حتى لا تصارحهم بحقيقة مشاعرك، الأمر يحتاج لنضج كبير صراحة، خصوصا أن المصارحة قد يعتبرها البعض كذلك نوع من أنواع الانتقاد أو التقليل من شخصهم أو مجهوداتهم.
ولكن واقعيًا أرى أن الحياة لا يمكن أن تستمر بدون كذب
فكيف يمكننا مثلًا جرح مشاعر شخص قد بذل مجهود من أجلنا في شيء ونصارحه بأنه لم يعجبنا! حتى العمل نفسه قد يضطرنا بشكل إجباري للكذب، والهدف في هذه الحالة قد يكون المصلحة العامة أو تجنب أضرار قول الحقيقة.
الكذب موجود من بداية الخليقة، وأراه السبب الرئيسي لكل الكوارث تقريبًا لأنه مدفوع بالخوف أو التلاعب، وفي الحالتين النتائج دائمًا تضر إما بطرف أساسي أو بأشخاص ليس لها أي علاقة بالأمر، وما ذكرتيه من مثال عن تجنب جرح مشاعر أحدهم، هذا ليس كذبًا بالمعنى الحقيقي، فعدم إعجابي بشيء ما هو مجرد شعور ليس حقيقة مطلقة مثلًا، ولن تضر أحدًا إذا لم أكن صريحة بها، بل على العكس أنا أحترم مشاعر من أمامي وأقدر جهوده، أما بالنسبة لمثال العمل، فلأني وُضعت في مواقف مشابهة قبلًا، ولم أكره في حياتي أي شيء قدر كرهي لهذه المواقف، التي اضطريت فيها للكذب لصالح شخص آخر، لأنه ليس من حقي أن أكون صريحة بشأن بعض الأمور التي تخص العمل، وللأسف كلها كانت أمور شخصية تخص صاحب العمل نفسه ولكن لها تأثير مباشر على نوع العمل.
فعدم إعجابي بشيء ما هو مجرد شعور ليس حقيقة مطلقة مثلًا، ولن تضر أحدًا إذا لم أكن صريحة بها.
كل ما ينطق به الإنسان وهو عكس ما يعتقده أو يشعر به هو كذب، ولكن الفيصل في نقطة الكذب عموما والكذب في المشاعر بالأخص هي النية، إذا كذبي بشأن مشاعري سيسبب ضرر لغيري، فهو غير مبرر، أما إذا كانت مصارحتي هي ما ستؤذيه، فالكذب هنا مبرر جدا، أو على الأقل لنقل حقيقة الشعور مع تغيير الأسباب، أو لنحاول أن وقع المصارحة أقل وطأة في التأثير غلى الغير إلى حد ما.
للكذب لصالح شخص آخر، لأنه ليس من حقي أن أكون صريحة بشأن بعض الأمور التي تخص العمل، وللأسف كلها كانت أمور شخصية تخص صاحب العمل نفسه ولكن لها تأثير مباشر على نوع العمل.
لكل وظيفة صلاحيات أو حدود معينة ليس من حقنا تجاوزها، وإذا كانت عدم المصارحة بشيء ما من قوانين الوظيفة فلا مشكلة، أما إذا كان مطلوب منك الكذب بشكل مباشر في شيء ما لتغيير حقيقته، فأعتقد أن الأفضل أن تتطلبي من صاحب العمل أن يجنبك هذه المواقف، وإذا أراد الكذب بشأن شيء ما فليقم به بنفسه، هذا ليس واجبك ولا من حقه أن يجبرك على ذلك.
طرحك لموضوع الكذب وعدم القدرة على الكذب يثير الكثير من التساؤلات الفلسفية والأخلاقية. فكرة أن يكون الشخص غير قادر على الكذب أبدًا تفتح الباب أمام نقاشات عميقة حول طبيعة الحقيقة والكذب وأهمية التوازن بينهما في حياتنا اليومية.
**بعض النقاط التي يمكن التفكير فيها:**
1. **الكذب الأبيض**: في بعض الأحيان، قد يكون الكذب الأبيض ضروريًا للحفاظ على مشاعر الآخرين أو لتجنب إيذائهم. مثلما ذكرت، إخبار شخص ما بأن جهده لم يكن جيدًا قد يسبب له ألمًا غير ضروري.
2. **التوازن بين الصدق والكذب**: الحياة مليئة بالتعقيدات، وأحيانًا يكون من الصعب التمييز بين ما هو صحيح وما هو خطأ. التوازن بين الصدق والكذب يمكن أن يكون ضروريًا للحفاظ على العلاقات الاجتماعية والمهنية.
3. **النوايا الحسنة**: الكذب بنوايا حسنة قد يكون مبررًا في بعض الحالات، خاصة إذا كان الهدف هو حماية شخص ما أو تجنب ضرر أكبر.
تخيل عالمًا لا يستطيع فيه أحد الكذب أبدًا! كيف تعتقد أن ذلك سيؤثر على العلاقات الاجتماعية والمهنية؟ وهل تعتقد أن الصدق المطلق يمكن أن يكون دائمًا مفيدًا؟
التعليقات