واحد من المسلسلات الكوميدية المميزة يناقش في بدايات حلقاته تخلي الفندق بشكل مفاجئ عن خدامات (هشام) الأب الذي يجد نفسه مفصول على أثر جائحة كورنا مما وضعه في مأذق شديد كيف سيقوم بالعمل والعناية بأسرته؟ كيف سيلبي إحتياجاتهم المادية ؟ فأصعب قرار هو أن تجد نفسك مفصول بشكل مفاجئ من عمل يفترض أنه يؤمن أستقرارك المالي لسبب خارج إرادتك مثل مرض وبائي أزمة أقتصادية أو تغيير في هيكلة مكان العمل أو أي سبب يجعلك فجأة وحيد تتحمل مسؤلية توفير الآمان المالي ليس لك وحدك بل لعائلتك بأكملها ؟ في المسلسل كان الأب لا يستطيع توفير إحتياجات أبنته التي أعتادت عليها وكان يفعل الكثير لكي يؤمن لها تلك الإحتياجات وبرغم التناول للفكرة بالمسلسل من منظور كوميدي لكن بالفعل يفعل الأباء أمور مستحيلة في الحقيقة للتغلب على تلك المشكلة لأن الوالد أو الأب أو الزوج هو المسئول الأول والرئيسي لتجاوز تلك الأزمة (حال حدوثها) بغض النظر عن الظروف الأقتصادية والمشاكل التي تدور حوله .. لذا أعتقد أن الأباء قد فعلوا أمور خارقة للعادة في ظل تلك الأزمات لتجاوزها بأسرع وقت الذي يجعلنا ننظر للأمر الآن كما لو أنه أمر بسيط أو أنك لم تمر بتلك المشكلة بالأساس .. حتى أننا نعود لدائرة المشاكل نفسها مع أبائنا ونلوم عليهم أو نقلص من حجم تأثيرهم في حياتنا بالطبع بشكل غير مقصود .. ولكن هذا يأتي لي بسؤال مهم ما الدور الذي يلعبه والدك في حياتك وما حجم تأثيره عليك ؟
مسلسل بابا جه: ما هو دور الأب في حياة أبنائه؟
الدور الأول هو اعطاء الشعور بالأمان وبأنه هنالك شخصا ما حارسا يستطيع أن يأتي ليحل المواقف الصعبة سواء مادية أو مشاكل مجتمعية، وهذا الدور مهما كانت الأم قادرة على فعله وهي كذلك قادرة ولكن بسبب الصورة العامة التي يراها الطفل من تواجد الأب تحديدا في تلك المشاكل وحلها مع أبنائه تجعله يفكر في والده هكذا بأنه الحائط الذي يسند عليه في تلك الأزمات، فهذا الدور الكبير الذي يبحث عنه كل ابن، والدور الثاني وهو المصاحبة والبحث عن صديقك في والدك تحديدا الذي يشاركك الضحك واللهو بعيدا عن والدتك التي تكون حريصة على الاهتمام بصحتك ومستواك الدراسي وعدم التراخي فيه ولكن الابن في أحيان كثيرة يعطيك الفرصة للخروج عن هذا الروتين حتى نراه كثيرا لو طلب الطفل من والدته أن يذهب ليلعب أو ليسافر مع أصدقائه فستجد الرد في الغالب بأنه لو وافق والدك أو أخبر والدك وحتى لو أن الوالد معترض فستذهب إلى الأم لتقنعه أيضا وهكذا فهذه من الأدوار المهمة التي تشعر الطفل بأنه في محيط أمن وقادر على مواجهة المشاكل الخارجية في المجتمع.
ولكن مشكلة الأبناء أنها لا تعي دور الاب إلا في مرحلة متأخرة، دائما ونحن صغار لا نعي هذا الدور بل ننظر إاليه بأنه دورة قائم على الغضب والعصبية ورفض كثير من الأشياء، ولكن بمرور الوقت نعلم قيمة الدور الذي يقوم به، انا واحدا منهم لم أفهم دورة الحقيقي إلا عندما تزوجت وأنجبت ووجدت نفسي أعي كلماته وردود أفعالة ومغزى كلماته
نعم بشكل مؤكد الأبناء لا يعرفون الدور الذي يلعبه الوالد طوال تلك الفترة ، أنت لن تلاحظ أبداً تلك التفاصيل الصغيرة التي تكشف حجم المعاناة الحقيقية التي يمر بها الوالد عند مروره بضائقة مالية تجبره عن التخلي لتلبية بعض الطلبات فيتخذ أولويات مجبر عليها مثل تأخير المصروف أو التخلي عن بعض وسائل الترفيه المعتادة ، وحينها لا ترى فيه سوى رجل يتخلى عن لعب دوره لأنه لا يحبك مثلاً ، في حين قد يكون هو يفعل المستحيل للحفاظ على البيت قائماً دون أن تعرف وفي الوقت الذي يمكن أن تحاصره بالطلبات والتعليقات التي تظهره كما لو أنه بخيل أو لا يحبكم ، ولكن هناك مشكلة كبرى تحصل ببعض المنازل حين ترفض الأم أو الزوجة مساعدة الزوج أو الأب عندما تحدث تلك الأزمات وهي نماذج موجودة بالفعل ، بل تعمد على مهاجمته وإظهاره بمظهر أنه شخص ضعيف أو ساذج أو بخيل أو شيطانة سلوكه مثل أنه يستعد للزواج من أخرى أو أو .. تلك البيوت قد أصاب بالدهشة عندما أجدها لا تزال مستمرة وقائمة .
بالفعل مثل هذه النماذج متواجده حتى اللحظه وتتسبب في مشاكل نفسية متأصلة لدى الصغار من فقدان الثقه و نظرتهم للأب بنظرة الشخص الغريب عن محيط الأسرة، صديق لي زوجته تسببت بمثل هذه المشاكل مع سيطرتها على عقول الصغار وبث كل ما هو غير صحيح وغير صحي إطلاقا مما تسبب بمرور الوقت بأنه أصبح غريب داخل الاسرة أعتقد بانة ينم عن أزمة نفسية لدي الزوجه وتأثير جو النشأة على إسلوبها في التربية
الأمر يأخذ أكثر من هذا فقد يصدر أسلوب لدي الأطفال أن الطريقة الوحيدة لنجاح زيجة هي بالصرف ببذخ بشكل مستمر بغض النظر عن مصدر النقود فالإستقرار المادي فوق كل شيء (هذا رأي نابع من تجربة حقيقية) منذ طفولتي كنت أملك صديق بالدراسة كان لديه مصروف يومي أكبر من الفصل بأكمله تقريباً 100 جنيه ، كان هذا في أواخر التسعينات ، هذا المبلغ كان كبير بالدرجة التي تجعل أسبوع كامل من هذا المبلغ كان قادر على فتح منزل كامل في هذه الفترة ، لذا كان هذا الطفل يصرف ببذخ على نفسه وأصدقائه وكان يحبني بشدة لأني كنت أرفض معظم الوقت أن يقوم بعزومتي على أي شيء بعكس باقي أصدقائنا بالأخص عندما لم أصبح لم يحصل على ذات المصروف فأنفض غالبية الأصدقاء من حوله وبقيت أنا ، لذا كان يحكي لي عن تجارة والده وعمله الذي كان يوفر له ولكل أخواته كافة الإحتياجات وفجأة تعرض والده لخسائر مادية هائلة مما جعله ((بخيل)) و والدته لم تعد قادرة للعيش معه وأجبرته أن يعيش في شقة أخرى وحده إلى أن يتمكن من العودة لتغطية مصروفاتهم كما يجب ، الغريب أن والده تخلى بعدها كلياً عن تغطية أي مصروفات كرد فعل عكسي يعاند فيه زوجته التي تسببت في كراهية أولاده له وتعاملهم معه على أنه (شخص غريب) لذا وجدت أن صديقي يميل في تلك الفترة للتجارة والكسب بكل الطرق المشروعة والغير مشروعة (مهما وجهت له من نصح) ولكنه وجد أن الطريقة الوحيدة للنجاح في أي زيجة أن يبقى ثرياً وأن الفقر هو السبب الحقيقي لكل المشاكل ..
وهذا الدور مهما كانت الأم قادرة على فعله وهي كذلك قادرة ولكن بسبب الصورة العامة التي يراها الطفل من تواجد الأب تحديدا في تلك المشاكل وحلها مع أبنائه تجعله يفكر في والده هكذا بأنه الحائط الذي يسند عليه
بالطبع دور الأم بهذا الشأن لا يمكن إنكاره بأي حال فهناك بيوت كاملة تقف على مجهود الأم فقط .. و (وحدها) وهي تقوم بدور الأم والأب معاً دون أي مشكلة ، عادتاً إما لغياب أو عدم تواجد الأب ، ولكن أنا أقصد أن الأب هو المعني و(المسئول) الرئيسي على توفير حائط الأمان المادي .. فمنذ طفولتك وأنت صغير للغاية وتجري على الباب عند عودة والدك من العمل بفرحة وأنت تقول (بابا جيه) فأنت مشتاق لوجوده ، مشتاق أيضاً للحلوى التي سيأتي بها من العمل إليك أو الحصول على مصروفك أو تلبية طلب خاص تقوم بطلبه ، حتى والدتك تشاهدها وهي تطلب منه طلبات المنزل أو إحتياجاتها [هذه الصورة الذهنية التي يتركها الأب منذ طفولتك] لذا سيكون غريباً عليك في تلك المرحلة أن تلاحظ حجم المعاناة التي قد يقع بها عندما يمر بضائقة مالية ويحاول أن يخفي ذلك ويلبي طلبات المنزل الضرورية قدر إستطاعته لذا سيكون من الصعب عليك (كطفل) تفهم لماذا يصر على عدم إحضار لعبتك المفضلة أو قطع الحلوى التي أعتاد الإتيان بها أو أمتناعه عن مصروفك مرة واحدة دون سبب مقنع لك .. كل هذا يصيبك بالغضب من والدك بالتحديد ويجعلك تشكو متذمراً طوال الوقت لتشكل كابوس قد يمتد حتى مرحلة المراهقة .
هذا يعود على التربية نفسها ومشاركة الأبناء بطريقة بسيطة لعقلهم يتفهمون الأمور، شاهدت منذ مدة فيديو لفتاة وجدت على مائدة الطعام خضروات فقط، حينها قامت وفتحت حصالتها لتعطي أهلها المال ليحضروا لحما أو شيئا من هذا القبيل، فالمشاركة الفعالة البسيطة دون الكلام المباشر للأطفال عن ضائقة مالية وتحميلهم عبئ لا يتحملوه، بل عن طريق توضيح الأمر لهم هو ما يساهم في جعلهم يشعرون بقيمة ما يفعله الأهل معهم منذ الصغر.
نعم بشكل مؤكد التربية لها عامل رئيسي بهذا الشأن ، ولكن هل التربية وحدها كفيلة بالوصول لتلك النتيجة في هذا المثل الذي ضربته :
شاهدت منذ مدة فيديو لفتاة وجدت على مائدة الطعام خضروات فقط، حينها قامت وفتحت حصالتها لتعطي أهلها المال ليحضروا لحما
أم أن أختيار الزيجة المناسبة هي صاحبة العامل الأكثر تأثيراً في إنجاح الأمر فالزوجة أيضاً أو الأم تلعب دور هائل للتغلب على تلك الأزمات ودعم الزوج أو الأب معنوياً وفي أحيان قليلة مادياً لتجاوز تلك العوائق
فالمشاركة الفعالة البسيطة دون الكلام المباشر للأطفال عن ضائقة مالية وتحميلهم عبئ لا يتحملوه، بل عن طريق توضيح الأمر لهم هو ما يساهم في جعلهم يشعرون بقيمة ما يفعله الأهل معهم منذ الصغر.
وبالنظر لهذا الحل الذي أجده عبقري هل لك أن تشرحه بشكل أكبر بالتركيز على كيف ندفع الطفل لهذا الوعي والفهم والمشاركة أو كيف نوضح لهم المشكلة دون الحديث عن ضائقة مالية .. حيث أن أغلب المنازل تحدث أطفالها الصغار والصغار جداً عن مشاكلهم المادية بشكل لا يجعل الأطفال قادرين على إستيعابه بل يجعلون الأطفال يشعرون في كثير من الأحيان أنهم جزء من المشكلة وهو ما يدفع الأطفال إما للعند ومواصلة طلباتهم التي هي منطقية بالنسبة لمرحلتهم العمرية أو تجعلهم يشعرون بالذنب؟
هل لك أن تشرحه بشكل أكبر بالتركيز على كيف ندفع الطفل لهذا الوعي والفهم والمشارك
عن طريق تقليل النفقات المتبعة في المنزل تدريجيا من حيث المصروف ومن حيث الرفاهيات وأنواع الطعام فحث الأطفال على الأكل في المنزل وتقليل الطعام الخارجي وتوضيح بشكل مبسط إلى أنه يمكننا إعداده في المنزل ونعدد المزايا من نظافته وجودته وأخيرا سعره والتحدث معهم في كيفية الاستفادة من المصروف الذي يعطى لهم وفي أي شيء يصرف ليتكون الاستفادة منه كبيرة بدلا من صرفه في أشياء يمكننا التخلي عنها، فمثلا العصائر الصناعية بدلا من حرمهم منها نقوم بإعداد البديل المنزلي وتوضيح أيضا فوائده مقارنة مع الصناعي وهكذا فالتحدث الغير مباشر عن الأمور المادية يخلق وعيا للطفل يمكنه مع الوقت إدراك الأمر بشكل صحيح دون حدوث صدمة أو شعور بالذنب.
فكرة تصدير التضحية التي يفعلها الآباء لأجل أبنائهم على أنّها فكرة صالحة وجميلة ومؤثّرة هي فكرة يجب أن نراجعها جيداً حتى نتفادى المزيد من المُنضمين من الشباب لهذه الآلام المجانية التي يدفعوها وهم يحسبون أنّ هذا صنيع حسن، بالمجتمع الأوروبي يتم تعليم الطفل منذ نعومة أظفاره بالاعتماد الأول والأخير على نفسه، ولذلك ينمو عنده حس المسؤولية فنراهم معظمهم بعمر ال 17 أو 18 يتركون منازل آبائهم ويستقلون، نحن متى يستقل الشاب العربي عندنا؟ بحسب نظرتي العمر يمكن أن يتجاوز على الأقل 25 سنة! هناك بعض الأصدقاء عندي لديهم إيمان راسه بأن كل جنيه يصرفه الأب عليهم هو جنيه واجب ومسؤولية لا عطاء وزيادة! وهذا يجعل الشبّان يبقون في بيوت اهاليهم ويصعب الاستقلال عنهم وبالتالي يقل الاشخاص الفاعلين فعلاً بمجتمعاتهم.
أفهم مقصدك ولدي فهم كبير جداً لما تحاول قوله وهو منطقي للغاية ولكن أختلف معه في تفاصيل صغيرة ، الأمان الذي يشكله الأب لدي شعوبنا ليس بالضرورة أن يكون رد الفعل العكسي عليه خلق شعور مستمر بالاعتمادية لأنه ببساطة أغلب أولياء الأمور يعوا تلقائياً أن عنايتهم بأبنائهم عاطفياً و مادياً هو أمر ضروري ولكن (في حدود معينة) لأنهم يخلقون لديهم الأحساس بالمسؤالية مثل أن يمنحك الوالد مصروف إضافي لتفوم بالتبرع به كصدقة على فقير في شهر رمضان ، تلك النقود هو صاحبها والطفل لم يتعب فيها بل حصل عليها مجانياً ، ولكن هذا السلوك (العاطفي) يخلق لدي الطفل شعور بالمسؤالية إتجاه الفقراء وتخصيص جزء من مصروفه لاحقاً للعناية بهم ، لذا الأهتمام المادي والعاطفي بالأطفال ليس بالضرورة يخلق لديهم شعور بعدم المسؤالية .. فأنا مثلاً في عيد الفطر القادم قد تجاوز عمري 34 عام ومع ذلك أرغب في الحصول على عيدية من ولادي .. لا تهم القيمة المادية ولكن الشعور نفسه أنني لا أزال هذا الطفل الذي يشعر أنه في مسؤالية والده ويحصل منه على عيدية .. رغم أنني لا أحتاجها وأصرف أضعاف مضاعفة لإخراج عدايا أكبر لأولاد أشقائي .
زرت الكثير من الأصدقاء والأقارب في فترات رمضان، دائماً ما كانوا الأطفال بكل العائلات على اختلاف مستوى تعليمها وثقافتها وتربيتها في ترك للطفل مثلاً من ناحية أن يقوم بما يشاء بعد الأكل، أي أنّه غير ملزم نهائياً لا في أن يزيل طبقه ولا أن ينظّف ما جعله وسخاً ولا أن يزيل الأطباق مع والدته، وهذه ليست مشكلة طبعاً، ولكن المشكلة في أنّ عقله معتاد على رؤية أن هذه الأمور والسلوكيات من حقه، يرى نفسه يستحق الخدمة وهذا واجب محتّم على والديه سيبذله حين يكبر بالمقابل مع أطفاله! وأنا أرى أنّ عدم اشتراك المسؤولية بين الآباء والأبناء وعدم وجود حلول تفاهم في هذا الأمر ضرر على الصعيدين، على صعيد الأب والأم نفسياً وعلى صعيد الطفل تربوياً وحياتياً بالمستقبل بشكل أكيد.
التعليقات