امبراطورية ميم: كيف نفرق بين الحرية والحدود عند تربية الأبناء؟

وسط كثير من المفاهيم المشوهة والمغلوطة حول واجبات ومسؤوليات الطرفين،

، وهو على أي أساس تُوضع الحدود وتُمنح الحريات؟

انتِ وضعتي أهم النقاط في مساهمتك بخصوص التربية، وهي ما لفتت نظري في المسلسل أيضًا، فمثال الأب في هذا العمل بالنسبة لمجتمعنا قد نراه يترك الحريات بنسبة كبيرة، والاختناق يأتي في بعض الحدود فقط، وبعض الطبقات قد ترى أنه متحكم بنسبة تفوق استيعابهم وخصوصًا من المشاهدين المنتمين للأجيال الصغيرة، وفي رأيي الحدود تٌبنى في مرحلة التنشئة وهي مرحلة خطيرة وأتفهم كل من يمرون بها لأنها حساسة ومرهقة في نفس الوقت، لأنه وكما ذكرتي فكرة وضع حدود مع حريات في هذا العصر الذي تتداخل فيه المبادئ مع المهازل، من الصعوبة أن تقولي مثلًا للابن على أن كل عادات أصدقائه خاطئة وعاداتهم كأهل فقط هي الصحيحة، الموضوع يحتاج لوعي وإدراك في كل موقف مختلف حتى يصل الطرفين لحل مناسب، وبالطبع الأهل لديهم الحق في بعض الأحيان لرفض بعض الأمور وللأسف لا يدركها الابناء في ذلك الوقت الحساس، ولكن هناك نقطة أشدد عليها هنا، لا يجب تركهم ليفهموا مع الزمن، لأن هذا الأسلوب تحديدًا سيخلف صراعات داخلية وستتفاقم مع الوقت، وفي الأخير التربية ووضع الحدود أمر مرهق جدًا ولا توجد وسيلة واحدة فقط للتعامل مع الأمر.

أعتقد أن مربط الفرس هنا هو التربية وتأسيس الطفل من الصغر بحيث يكون متحمل للمسؤولية يفهم ما له وما عليه ويستطيع الحكم على الأمور دون تسرع صحيح أن كثير من هذا يكون من طبيعة مراحل الحياة هذه لكن التربية تمنح الشخص الأدوات والقدرة على التعامل مع الحياة عمومًا بشكل أفضل هذا أساس مهم جدًا فالكثيرين يقعون في خطأ التدليل الزائد الذي يفسد الأبناء ويقلل فرصهم في النجاح أمام صعوبات الحياة وبالتالي يضطر فيما بعد بالتدخل الزائد والذي قد يكون في بعض الأحيان تعدي على حرية أبناءه كأن يختار هو لهم ويقرر لهم في كل ما هو مصيري مثل ما ذكرتي من أمثلة فلن يضطر الأهل على سبيل المثال أن يختاروا شريك الحياة لأبناءهم إذا كانوا من الأساس ربوهم على الانضباط واختيار الشخص بمعايير معينة وهكذا.

لدي رأي مختلف وربما يعده البعض شاذًا في هذا السياق. إن إنجاب الأبناء لا يعني أننا امتلكناهم. كل أب وأم ما هما إلا وسيلة يأتي بها الابن إلى الحياة، وبعدها له الحرية في صنع حياته وفق ما يروق له. الوالدان فقط يحددان اختيارات الأبناء بل ويتخذونها عنهم حتى سن معين. طوال هذه المدة (الطفولة) لا يعي الطفل أبعاد اختياراته، وقد يؤذي نفسه. ورغم ذلك، ففي خلال تلك الفترة أيضًا يجب على الوالدين أن يتركوا المساحة للأبناء للتحرك وفق قراراتهم الشخصية احيانًا كنوع من التأهيل للفترة المقبلة.

بعد سن معينة يكون من المفترض أن الابن اكتسب قدرة على التعامل مع الحياة، وهذه القدرة تتطور مع الوقت وكلما زاد الاحتكاك بالحياة وزادت تجاربه. دور الأب والأم هنا لا بد سيقتصر على التوجيه. يخبرونه عن رأيهما ولا يلزمونه به، وكذلك يساعدونه حين يحتاج إليهما في تحقيق أهدافه الشخصية. هي حياته بالنهاية والوالدان جزء من الحياة لا أكثر ولا أٌقل. والله لو تربينا بهذه الطريقة لتخلصنا من العادات والتقاليد العقيمة التي يخنقنا بها المجتمع لأن جزء كبير من رؤية المجتمع ينعكس من خلال الأب والأم على الأبناء. الوالدان مجتمع صغير داخل المجتمع الكبير.

أعتقد أن شكل الحرية يجب أن يختلف بحسب وعي الأبناء وبحسب طريقة تربيتهم بالطبع ، فعندما يكون الأبن واعياً لنوعياً المخاطر التي يمكن أن تهدده واعياً لقيمة النصائح (بشكل حقيقي) يمكن منحه الكثير من الحرية والثقة المصحوبة بمراقبة خفيفة (من بعيد لبعيد ) تلك المراقبة ليست بهدف التشكيك فيه ولكن التأكد أنه يقوم بتطبيق ما يؤمن به حقاً ويلتزم بشكل كامل به في الاختبارات الحقيقية للحياة والهدف الأهم هو التدخل في الوقت المناسب في حالة التورط في مشكلة بسبب قرار خاطئ قد يتخذه ، بالنسبة للأطفال المتمردين بهدف التمرد والاختلاف فهؤلاء لا يمكن السماح لهم بحرية حقيقية بل يتم مراقبتهم بشكل صارم ولكن يفضل أن يكون غير معلن لهم للتدخل للأسباب نفسها ، وفي النهاية يمكن قراءة ما يخفيه اي طفل بقراءة ذكية مثل مراقبة تلمحياته في الحديث أو نوعية الأصدقاء المفضلين لديه (نقطة مهمة جداً وحيوية) في فهم طبيعة تفكير الطفل المراهق في تلك المرحلة .

من الصعب الإجاب بشكل مباشر على سؤالك "على أي أساس توضع الحدود و الحريات؟" فهذا يختلف كليا من مجتمع إلى مجتمع و لكن أرى بأن هناك بعض نقاط يمكن نظر فيها فمثلا يجب أن يكون هنالك ثقة بين الأهل و أبنائهم فإنعدام الثقة يعد من أكبر أسباب التي دمرت العلاقات الأسرية بشكل عام و أيضا على الأهل منح فرصة اتخاذ القرارات لأبنائهم مع مراقبتهم و إرشادهم و يجب أن يكون هناك إحترام متبادل بين الأهل و الأبناء فيما يتعلق بالآراء و الإختلافات، و واحد من النقاط الأساسية لتحديد الحقوق و الحرية هو أن يكون هناك تواصل مفتوح و صريح بين الأهل على الدوام وفي أخير يجب على الأهل أن يكون دائما مستعدين لتغيير الحدود مع تطور و نمو الأبناء خاصة إذا كان أبناء قد وصلوا إلى المرحلة الجامعية كما ذكرتي.

سأذكر لك مثال يشرح هذه الأمور بشكل واضح كنت أراه في بيت صديقي ويحكي لي عنه، لما كان عمر ابنهم تقريباً، 5 سنوات كان لديه حرية كاملة باختيار ملابسه من بين الخيارات المعتمدة مسبقاً (الذين هم اختاروهم له) وهذا كان يعزز الشعور بالاختيار عنده ويجعله فعلاً يشعر بحريته، ولكن الحدود التي كانوا يرسمونها له في ذلك العمر هي مسألة أنّ هناك منطقة اسمها: منطقة اللعب الفوضوي، علّموه أنّ كل شيء عشوائي يحصل فيها، وبالفعل تفهّم هذا الأمر الطفل وتقبّله، كل شيء عاملوه فيه كانت بهذه العقلية، الآن هو بعمر الثامنة ويقوم مثلاً بالتخطيط لعطلته من المدرسة أو عطلة يوم الجمعة بنفسه وعنده شعور بملكية حياته فعلاً.

يشغلوه بالمقابل بالأنشطة الواقعية لكي يحرموه بشكل غير مباشر من الأمور الضارة مثل أنشطة اللعب على الكمبيوتر والموبايلات..إلخ

انا رأيي ان يترك للأبناء حرية الخطأ تحت إشراف، بمعني انني لو وجدت ابني سيرتكب خطأ معين وهذا الخطأ أبعاده مدروسة ومعلومة سوف أبلغه بأن ما تفعله خطأ وسيؤدي بك لتلك النتيجة، هل انت علي استعداد لتحمل تبعات أخطائك، لو قال لي نعم، سوف اتركه يتحمل بنفسه التبعات كاملة ولن اتدخل اطلاقاً.

الفكرة من وجهي نظري ان في الحياة لزاما علي كل انسان ان يخطأ، ولزاماً عليه ان يخطأ لكي يتعلم من اخطائه في المستقبل، والفكرة من وجهة نظري ان يتعلم الإنسان من الأخطاء التي يستطيع ان يتحمل دفع ثمنها، لأن هناك أخطاء من يرتكبها سوف يحتاج عمر طويل للتكفير عنها.

مثلاً انتي ضربتي المثال بشريك الحياه، وهذا مثال صعب لأنه آخر السلم بالنسبة لي، يعني لا احد يصعد السلم كله مرة واحدة، انا لو عندي طفل يجب ان يبدأ الاختيار من الرياضة التي سيمارسها، ومن الكتاب الذي سيقرأه ومن الرحلة التي سيذهب اليها، ومن اللبس الذي سيلبسه، ثم نتدرج حتي نصل الي الكلية التي سيلتحق بها، وهذا الاختيار اصلا واقع علي من البداية لاني لو قمت بتشكيل ثقافته وهواياته ونظرته للحياه بطريقة صحيحه سوف يختار اختيار صحيح، والأختيار الصحيح بالنسبة لي هو الاختيار الذي يكون هو علي علم بأبعاده ويكون علي استعداد لدفع الثمن لو كان اختياره خاطئ، فالفكرة عي هل تعلم الطفل من صغره ان يدفع ثمن أخطائه ام احد آخر يدفعها نيابه عنه.

المسؤولية الكاملة عن افعالهم من صغرهم سوف تجعلهم يختاروا اختيارات صحيحه، وهذا بالطبع مع العلم والثقافة والإطلاع، ونقاش الفكرة بالفكرة، وليس بالإجبار