تلك هي المعضلة التي وقع بها بطل العمل عندما خُير بين ترك منزله وذكرياته المتعلق بها بشدة، وبين مبلغ قادر على تغيير حياته هو وأولاده وتأمينها. بالنسبة لي وبكل صراحة لن أتردد لحظة لقبول العرض، المنطق يحتم علي ذلك، فأنا لا أربط الذكريات أو المشاعر بالأماكن مطلقًا، ما يهمني هم الأشخاص الذي أنا بصحبتهم، فماداموا معي سنبني ذكريات جديدة في مكان آخر، وهل هذا يعني أنني لن أشعر بالحنين لبيتي القديم؟ بالتأكيد سأشعر، ولكن شعور الحنين لن يكون أقوى من شعور الندم بخسارة مبلغ قد أعمل أعمار فوق عمري ولا أحصله، بالإضافة لو أنني مسؤولة عن حياة أشخاص آخرين فهنا يجب اتخاذ القرار مع الأخذ في الاعتبار مصلحتهم ورغبتهم كذلك، وإلا ستكون أنانية مفرطة مني بالتمسك بشيء لا يفيدهم.
مسلسل امبراطورية ميم: لو عُرض عليك أكثر من مليون دولار مقابل بيع منزلك الكبير والذي قضيت عمرك كله به مع عائلتك، هل تقبل أم ترفض ولماذا؟
رغم التأثير الرائع الذي تتركه البيوت القديمة في القلوب، والذكريات التي لا تُنسى، إلا إن المنطق والمسؤوليات الكبرى والأعباء التي تقع على عاتق الفرد تجبره على قبول مثل هذه العروض أو الفرص التي لا تتكرر كثيراً، إذ أن الأولوية دائمًا هي توفير حياة كريمة للأسرة وبعدها يأتي أي شيء آخر.
البعض يرى من وجهة نظره أنه طالما قادر على رعاية الأسرة ولم يقصر في احتياجاتهم الأساسية فهو غير مطالب بالمزيد، وعلى أساسه فهو يختار بناء على ما يفضله هو وليس بناء على مصلحة أسرته لأنه لا يرى أي ضرر واقع عليهم بسبب تفضيله للعاطفة على حساب المادة، فكيف ترين هذا المبدأ؟ هل أصبحت رغبة الإنسان في رفع مستواه لينعم بمزيد من الرفاهيات هي وصمة عار في حقه؟!
بالتأكيد أرفض هذا المبدأ لأنه يبتعد تماماً عن المنطق، فحتى في ظل عدم وجود ضرر واقع على الأسرة لا بد أن يفكر الفرد منا على المدى البعيد، ولا يقتصر فقط على التفكير في إرضاء ذاته ومشاعره وإلا سيصبح أنانياً إلى حد كبير، وينبغي دائماً اختيار ما فيه المصلحة العامة، وعند تعارض المصلحة العامة مع المصلحة الشخصية فلا مفر من إعطاء الأولوية للمصلحة العامة.
بالنسبة لي سأحكم عقلي واختار الأصلح والنفع من ناحية العرض مع استبعاد أي استغلال، ولكن ما ألاحظه فعليا أن هناك فرق كبير بيننا وبين الأجيال القديمة في ارتباطهم مع الأشياء، لدينا بالعائلة أرض وقررنا بيعها لكل شخص يأخذ نصيبه، وجميعنا قررنا ذلك، ولكن والدتنا كانت أكثر طرف معارض وعندما نسألها عن السبب تتكلم عن الذكريات التي تربطها بها، وكم قضت من الوقت وكم من الجهد بذلت بها، ورغم أننا أيضا كبار ولنا ذكريات بها لكن لسنا متأثرين بهذه الطريقة، وحتى الآن لا أعرف سبب الفرق في ارتباطنا كأشخاص بنفس الشيء، عن كبار السن؟ حتى بالمسلسل الأب هو من كان يشعر بهذه الذكريات في حين الأبناء ورغم وجود ذكريات لهم بالمنزل لكن لم يهتموا لها مثل أبيهم
ربما الأمر يعتمد على تأثير تلك الذكريات في عقل وقلب كل واحد فينا، الحياة الآن تختلف عن سابقها، ففي زمن أمهاتنا مثلا كان الإنسان أكثر ارتباطا بالواقع والحياة لأنه لم يعتاد على ما تميز به عصرنا من مشتتات بكل الأنواع كالهواتف ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها، فكان المجتمع في السابق أكثر انغلاقا على نفسه وبالتالي كان الإنسان مرتبط جدا ببيئته شعوريا لأنه لم يخرج منها أو يسمع كثيرا عن غيرها، أما الآن فالعالم أكثر انفتاحا، كلنا نميل للسفر، للتغيير، لتجارب مختلفة مما نشاهده يوميا عبر الشاشات، كما أننا لم نرتبط ببيئتنا كثيرا مثلهم لأننا خرجنا منها كثيرا فابتعدنا عنها شعوريا، ولذلك الذكريات لن تؤثر فينا مثلما تؤثر بهم.
التعليقات