ما الذي يجعل عملًا دراميًا استهلاكيًا، وآخر يُخلده الجمهور للأبد من وجهة نظرك؟

فما الذي يجعل عملًا دراميًا استهلاكيًا، وآخر يُخلده الجمهور للأبد من وجهة نظرك؟

قد يختلف الجواب من شخص لآخر، ولن تجدي جوابا واحدا متفق عليه لان هذه المسالة ترتبط بأذواق ورغبات الشخص، ولكن بالتأكيد هناك عوامل تلعب دورًا كبيرًا في إثارة اهتمام المشاهد وجعله يتابع العمل الفني بشغف. فالعمل الفني الذي يتميز بقصة جذابة ومثيرة، وشخصيات متعددة الأبعاد والتفاعلات المعقدة، والجمالية الفريدة والمتقنة، سيكون له تأثير أكبر على المشاهد، وسيبقى عالقًا في ذاكرته لفترة طويلة.

كما أن النظرة الثانية للعمل الفني، والتي تتم بعد فترة زمنية متباعدة، يمكن أن تكون مختلفة تمامًا عن النظرة الأولى. فقد تكون قد نسيت بعض التفاصيل الدقيقة، أو أنك ترى العمل الفني بعين جديدة بعد مرور فترة زمنية، وهذا يمكن أن يساعد على استيعاب العمل بشكل أفضل وتحليله بشكل أعمق.

، بينما تكتفي بمشاهدة عمل آخر مرة واحدة فقط؟

فقد يكون السبب في ذلك هو عدم وجود الجاذبية الكافية للعمل الفني، أو أنه لا يلبي توقعات المشاهد. وهذا يعود إلى العوامل التي تحدد جودة العمل الفني وجاذبيته على المشاهد، والتي يتميز بها الأعمال الفنية الاستثنائية التي يترك أثرها في نفوس المشاهدين.

فما الذي يجعل عملًا دراميًا استهلاكيًا، وآخر يُخلده الجمهور للأبد من وجهة نظرك؟ ما الذي يدفعك إلى مشاهدة عمل فني أكثر من مرة على فترات متباعدة مع علمك بكل أحداثه، بينما تكتفي بمشاهدة عمل آخر مرة واحدة فقط؟

صحيح كان لدي نفس هذا الشعور مع عدة أعمال درامية لا زلت أستحضرها، فأعتقد أن ما يجعل الأعمال الدرامية تصبح إستهلاكية هو عدم تقديمها لقيمة فنية، ثقافية أو لمسة إبداعية.

قد يكون ذلك العمل مكررا ومقلدا لأعمال ضخمة سابقة، أو يستخدم أساليب عقيمة لجذب المشاهد كالمبالغة في المشهد، التمطيط وهذا ما أكرهه بشدة في اﻷعمال الدرامية، وللأعمال الهندية لنا أكبر مثال.

فمثلا أنا متابعة وفية للأعمال التي تحمل في طياتها رسالة وإبداعا، فهي حقا تستحق التأمل والتعلم منها على غرار الأخرى أين تجد المخرج يستعمل الحشو فقط لإشباع رغبات المشاهد في التسلية والترفيه، لكن أين الفائدة.

سيقول لك الكثير الصدق والعمق وما إلى ذلك من العواطف التي يستحيل أن تشتري فيلم أو مسلسل يبقى في الذاكرة، برأيي أنا، رأيي الشخصي أن العمل الذي يبقى هو العمل الذي يحمل أولاً وأخيراً موضوعة تستطيع أن تبقى، هناك موضوعات زائلة بالضرورة لا يمكن أن يُعاد التفاعل معها إلا اعتباطاً، مثلاً الكثير من الناس يقولون أنّ مسلسل FRIENDS الكوميدي هو عمل خالد، هذه بالضرورة أمر مبالغ به، لإنّ الثقافة نفسها تتغير، بالتالي التفاعل مع المحادثات والأنماط القديمة من الذي يضحك لا يمكن أن يتفاعل معه الآن.

على أنّ عمل مثلاً كالتايتانيك يمكن إلى هذه اللحظة استرجاعه وكأنّه البارحة، لماذا؟ لإنّ الحادثة والحب والمقاومة والخيانة وكل هذه المواضيع مرتبطة بالحاضر مباشرةً، مرتبطة بنا بشكل وثيق، يمكنك مشاهدة فيلم APARTMENT من عام 1960 وتشعرين فوراً بارتباط عجيب مع فيلم بهذا القِدَم! كيف؟ لإنّ كل عناصره صالحة إلى اليوم للاستهلاك.

هذا ما يجعل أي فيلم قابلاً للبقاء أو لا، الفنيّة ضرورية والصدق والتفاصيل وكل هذه الأمور، كله ضروري، لكن كل ذلك لن يصمد بلا موضوعة أصلاً قابلة للسفر عبر الزمن.

الأمر بسيط جدا، فالعمل الاستهلاكي من اسمه استهلاكي، فهو يستهدف الجمهور في الوقت الحالي ورغباتهم. ولا يهتم بعمق العمل الفني المقدم، أو الفائدة الثقافية العائدة منه، يمكن أن نسميه عمل ترفيهي يتم تناوله لمرة واحدة فقط، ولو لاحظنا سنجد أن أغلب الأعمال الحالية مثل ذلك.

أما العمل الخالد هو عمل يبقى في ذاكرة الجمهور للأبد، وبه العمق الفني والثقافي بمستوى عالي، مع تميزه من كونه ذو قصة فريدة ومبتكرة. وقد يكون للعمل رسالة قوية أو يتناول قضايا اجتماعية أو نفسية معقدة. ويتميز هذا النوع من الأعمال بجودة التمثيل والإخراج على حد سواء، فهو عمل يهدف للخلود، وذلك نجده في العديد من الأعمال القديمة.

من وجهة نظري، هناك عدة عوامل تلعب دورًا في جعل عمل درامي يستحق الاستمرارية ويُخلد في ذاكرة الجمهور للأبد. وهذه بعض العوامل التي أعتقد أنها تلعب دورًا مهمًا:

1. قصة مؤثرة وملهمة: عندما تكون القصة مؤثرة وقوية، تنجذب إليها الجماهير وتحتفظ بها في ذاكرتها لفترة طويلة. قد تحتوي القصة على رسالة معينة أو تعالج قضية هامة، مما يجعل الأشخاص يرتبطون بها عاطفيًا ويستحضرونها في ذهنهم.

2. تأثير التمثيل القوي: يمكن لأداء الممثلين أن يلعب دورًا كبيرًا في تأثير العمل الدرامي على الجمهور. عندما يكون التمثيل متقنًا وقويًا وينقل العواطف والمشاعر بشكل واقعي، يمكن للمشاهدين أن يشعروا بالتعاطف والارتباط مع الشخصيات وبالتالي يستمتعون بمشاهدة العمل مرارًا وتكرارًا.

3. جودة الإخراج والتصوير: الإخراج المتقن والتصوير الفني الرائع يضفي جمالية ورونقًا على العمل الدرامي. عندما يتم تصوير المشاهد بشكل مبدع واحترافي، وتُظهر الأماكن والديكورات بطريقة جذابة، يعزز ذلك جاذبية العمل ويزيد من استمتاع المشاهدين به.

4. الرسائل والمعاني العميقة: عندما يتناول العمل الدرامي قضايا معقدة ويطرح رسائل عميقة وفلسفية، يحفز ذلك الجمهور على التفكير والتأمل، وبالتالي يعودون إلى المشاهدة مرات عديدة لفهم أبعاد أعمق من العمل واستيعابه بشكل كامل.

5. الابتكار والأصالة: عندما يأتي العمل الدرامي بشكل جديد ومبتكر، ويقدم قصة أو نهاية غير متوقعة، يثير ذلك إعجاب الجمهور ويجعله يتذكره بشكل خاص. الأفكار الجديدة والتفاجؤات المميزة تعزز تجربة المشاهدة وتجذب الجمهور للاستمرار في متابعة العمل.

بالنهاية، يجب أن نلاحظ أن الاستمتاع بالأعمال الدرامية يعتمد على ذوق وتفضيلات كل فرد. فقد يجد شخص معين عملًا يستحق الاستمرارية والمشاهدة المتكررة، بينما يمكن أن يكون عملًا آخر ليس محببًا له بنفس القدر.