«المتهم برئ حتى تثبت إدانته» هي العبارة التي يتغنى بها دائمًا المجتمع الإنساني ويعتبرها من أسمى المبادئ القضائية التي تصور المدى الذي وصل له من العدل والمساواة والإنصاف. ولكن، هل تساءلت من قبل عن مدى صحة هذه العبارة؟ وهل فعلًا يتم تطبيقها من دون أي تفريق؟ 

للنظر إذًا لمثال حي...

«عندما يروننا» أو «When They See Us» هو مسلسل أمريكي عرض على شبكة «نيتفليكس» عام 2019، وهو يروي القصة الحقيقة لجريمة وقضية شائكة حدثت في ثمانينات القرن الماضي، ألا وهي «شباب سينترال بارك الخمسة»، فهل سمعت عنها من قبل؟

القضية التي عرفت في الإعلام بـ«سينترال بارك فايف» كانت قضية رأي عام اتهم فيها خمس شباب من ذوي البشرة السوداء في قضية اعتداء على سيدة. ولكن دعونا نتوقف هنا ونسأل عن دليل إدانتهم. حسنًا، لا يوجد دليل سوى اعترافاتهم التي أقروا بها تحت التهديد، ولكن ألا يكفي أنهم كانوا هناك؟

غالبًا كان سيكون هذا هو الرد الذي ستتلقاه لو سألت أي أحد عن هذه القضية، فقد حدثت في وقت كان يعيش فيه المجتمع الأمريكي حالة من الرفض لذوي البشرة الداكنة، ولهذا قاموا جميعًا بإدانة الشباب الخمسة والذين كانوا كلهم تحت السن القانوني فور رؤيتهم ولم يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن أدلة ففي نظرهم لم تكن لها أي معنى. بل أن «دونالد ترامب» بنفسه حينها قاد حملة كبيرة دفع فيها ألاف الدولارات طالب من خلالها إعدام هؤلاء الشبان، ووصفهم بأنهم مجرمون وقتلى حتى من قبل أن تبدأ المحاكمة.

ولكن في عام 2002، تفاجأ الجميع بالدليل القاطع الذي أثبت براءة الشبان الخمسة من جميع الاتهامات التي نسبت إليهم عندما اعترف المجرم الحقيقي بجريمته وحكى عن تفاصيل الواقعة وتوافق حمضه النووي مع الدليل الوحيد الذي وُجد وقت الحادثة. ورفع الشباب قضية ضد مدينة «نيويورك»، وحكم لهم فيها بصرف مليون دولار لكل واحد منهم على كل سنة قضاها داخل السجن، ولكن، هل تعوضهم هذه الملايين على سنين شبابهم الضائعة؟ وما الذي يمكن أن نستنجه أصلًا من هذه القصة؟

ولنعود الأن لسؤالنا الرئيسي وهو كيف ولماذا قد يكون المتهم مدان حتى تُثبَت براءته؟ وبرأيك، هل مازلنا نعيش في زمن قد تعمي فيه الكراهية البصيرة وتزج الأنفس البريئة في السجون؟