من الاية 181 – 189 آل عمران

قلنا في المقالة السابقة التي كانت بعنوان معركة احد الثانية --من خبايا التي كشفتها المعركة -- إعراض الأغنياء عن تقديم الدعم المالي لإدامة زخم المعركة فظهر هذا القول بعد خسارتها كأنهم يبررون بخلهم على علمهم بان المعركة خاسرة لا محال – ولكن هذه ليس الحقيقية -- إنما البخل الذي تكنوه أنفسهم -- فلا بد من انتقادهم كي تستقيم سبلهم – قال الله - تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خير لهم بل هو شر لهم سيطوقون بما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير-- وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ

لما سمع أغنياء اليهود وأهل الكتاب بالانتقادات التي وجهها كتاب القران للذين بخلوا في معركة احد -- قالوا لماذا يطالبكم إلهكم منكم ان تدفعوا من أموالكم في سبيله -- فقالوا مقولتهم الجائرة -- ان الله فقير ونحن أغنياء -- فللقول أبعاد سياسية أكثر مما هي مالية – فالمتلقي العالم سيضع مقارنه فكريه بين الذين قالوا ان الله فقير -- وبين دعوة الله للإنفاق في سبيله – فما يريد أهل الكتاب إيصاله للعوام هو - ان إلهنا أغنى من إلهكم الفقير-- سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير الحق -- سنكتب للاحتفاظ بهذه المقولة – لنثبت لهم مستقبلا من هو الغني ومن هو الفقير عبر تغيرات مستقبليه سوف تفرز تلك الحقيقة -- لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ -- قتل الأنبياء لا تعني القتل الحقيقي الموت إنما قتل الدعوة الدينية – فالبعد السياسي الذي ينشده أهل الكتاب من قولهم ان الله فقير ونحن أغنياء هو لقتل دعوة النبي -- فبعض أسئلتهم لا يجيب عليها النبي لان الإجابة من عند لله فيستغلون ذلك في تثبيت عقائدهم المحرفة سياسيا -- لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ-- ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ --

فمن الأساليب الخبيثة التي اتبعها أهل الكتاب لقتل دعوات الأنبياء -- قولهم الكاذب ان الله عهد إلينا أي اقطع عهدا معنا ان لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار – أي ينزل الله من السماء نارا تأكل قرابين أهل الكتاب كدليل على صدق دعوة محمد – قل لهم يا محمد -- قد جاءتكم رسل من قبليي بالبينات والقرابين فلم قتلتموهم أي قتلتم دعوتهم ان كنتم صادقين --الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىَ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ – البعد السياسي من قول أهل الكتاب إلا نؤمن حتى تأتينا بقربان تأكله النار هو لتكذيب النبي فمن الطبيعي محمد لا يقدم النار التي تأكل القربان لان الآيات من عند لله وليس من عند النبي -- وبالتالي ستجابه دعوته سياسيا بالتكذيب -- فان كذبوك يا محمد فقد كذب رسول من قبلك جاءتهم رسلهم بالبينات والزبر والكتاب المنير – الزبر ليس كتابا – إنما جلوس جماعي يزاوله الأنبياء في أماكن محدده يدعون فيها الناس الى عبادة الله وحده فهذه الحالة عند الأنبياء فقط --واتينا داوود زبورا-- فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَآؤُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ

لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ{181} ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ{182} الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىَ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ{183} فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَآؤُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ{184}

الموت مصير كل كائن حي وسنته على العباد جميعا وبنزوله تختم الأعمال -- ولكن المشكلة ما بعد الموت حين توفى الأجور يوم القيامة – فالمكونات العقائدية ترضخ لعبادات تراثية لا تعلم مدى حقيقتها وتتبع القول المورث كذلك وجدنا أبائنا يفعلون -- على اعتقاد ان ما يعبدونه هو الحق من ربهم اكتسبوه تواترا عن السلف الى الإباء – ولكن في يوم القيامة ستختلف الأمور عليهم جميعا -- فلا يجدون سلطانا لما يعبدون وضل عنهم ما كانوا يفترون – فكل إنسان أمام مصير واحد لا غيره -- أما الى الجنة وإما الى النار – وأفضلهم وضعا يوم القيامة -- هو من زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور --كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ – ففي الدنيا مغريات محرمة أحلت سياسيا تحت غطاء ديني فالذين يتبعونها لهم شيطان رجل دين أو سياسي سول وأملى لهم -- – فالمغرر بهم سياسيا هم أداوت بيد اليهود والنصارى جندوا لشن حروبا عقائدية بالوكالة على الذين امنوا لإيذائهم معنويا وواقعيا بالحروب والمؤامرات -- لذا تعرض المؤمنون الأوائل الى ابتلاءات بالأموال والأنفس على يد فريقين – الأول- مشركي العرب --والثاني --المغرر بهم سياسيا من أهل الكتاب -- وان تصبروا وتتقوا فان ذلك من عزم الأمور--- لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ

الجهل من صنع الشيطان -- والمغرر بهم سياسيا أدوات حرب بيد الجبان – كلاهما تبلورا عبر سلسلة من التراكمات العقائدية المحرفة زينها شيطان بالمعاصي فاكتسبت الشرعية الدينية حتى أصبحتا تراثا لا يمكن التنازل عنه أو المساس به – فمن الطوائف التي غرر بها سياسيا هم اليهود وبني إسرائيل تحت اسم شعب الله المختار -- والنصارى تحت مبدأ عقدة الصلب والفدى -- فبقي حال أهل الكتاب في غياب عقائدي الى صدر الإسلام -- فبعد نزول القران صححت الكثير من العقائد المحرفة التي ورثت عن كتابي التوراة والإنجيل – طبعا التصحيح العقائدي الحقيقي لا يروق لأصحاب مصالح السياسية والطائفية من سياسيين ورجال دين -- لأن ذلك يفقدهم القاعدة الجماهيرية التي على أساسها بنوا منافعهم الشخصية والسلطوية – فبدلا من ان يبينوه للناس كتموه – وبدلا من إتباعه -- نبذوه – ولم يكتفوا بذلك بل اشتروا به ثمنا قليلا إزاء مصالحهم الدنيوية فبس ما يشترون -- وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ –

ينتقل كتاب القران الى شريحة مؤمنه من أهل كتاب لم يظهر نفاقها بشكل واضح ولها سمعة مرموقة بين أوساط المؤمنين -- لكنها لم تلبي أوامر الله في معركة احد -- قال الله عنها -- يا محمد -- لا تحسبن الذين يفرحون بما أوتوا من أموال ويحبون ان يحمدوا على لسان المؤمنين بما لم يفعلوا شيء – أي بما لم يقدموا شيء لوصايا الله في معركة احد لا في الجانب المالي ولا في الجانب التعبوي -- فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب بل لهم عذاب اليم -- لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ – فهذا توجيه لكل الأغنياء على الأرض مفاده مهما امتلكتم من أموال وكنوز ففي النهاية ستتركونها للذي خولها لكم فيعطيها لأناس غيركم والله على كل شيء قدير --ولله ملك السموات والأرض والله على كل شيء قدير -- وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللّهُ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ{185} لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ{186} وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ{187} لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{188} وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللّهُ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{189} إ