بِلا فِكْرَةٍ سَابِقَةٍ أَوْ تَرْتِيبٍ عَمِيقٍ، أَنْظُرُ إِلَى تَارِيخِ الْيَوْمِ وَأَقُولُ فِي قَرَارَةِ ذَاتِي: يَا إِلَهِي إِنَّهُ الثَّامِنُ مِنْ يَنَايِرَ، تَارِيخٌ مُنَاسِبٌ جِدًّا لِلْكِتَابَةِ عَنْ الْمُحَاوَلَاتِ الْكَثِيرَةِ فِي الْإِبْحَارِ دَاخِلَ مَنْحَنَيَاتِ النَّفْسِ الْبَشَرِيَّةِ؛ وَلَكِنْ مِنْ أَيْنَ أَبْدَأُ يَا تُرَى؟
حَسَنًا، مِنْ خِلَالِ الْوُلُوجِ إِلَى رَأْسِي الْمُثْقَلِ بِالْكَثِيرِ، أَرَى ذَلِكَ التَّدَرُّجَ فِي ثَنَايَا النَّفْسِ الْبَشَرِيَّةِ الَّذِي أَوْرَدَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ. أَقِفُ مَذْهُولَةً أَمَامَ هَذَا التَّأَرْجُحِ بَيْنَ النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ وَبَيْنَ النَّفْسِ اللَّوَّامَةِ، الَّتِي أَتَذَبْذَبُ فِيهِ مَرَّاتٍ عِدَّةً، وَبِضَعْفٍ كَامِنٍ بَيْنَ أَضْلُعِي أَتَسَاءَلُ: كَيْفَ يَرْتَقِي الْإِنْسَانُ بِنَفْسِهِ إِلَى حُدُودِ النَّفْسِ الْمُطْمَئِنَّةِ؟
وَبِمَا أَنَّنِي فَتَاةٌ مَعْجُونَةٌ بِنَفَحَاتِ الْإِصْرَارِ، قُلْتُ لِنَفْسِي: مَا رَأْيُكِ أَنْ نَتَخَلَّى الْيَوْمَ عَنِ الْجَانِبِ النَّظَرِيِّ بِكُلِّ مَا فِيهِ؟ وَنُبْحِرُ بِمَسْؤُولِيَّةٍ وَنَتْرُكُ زِمَامَ الْحَمَاسِ؟ الْارْتِقَاءُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالْعَمَلِ، وَلَكِنْ كَيْفَ يَكُونُ لَوْنُ الْارْتِقَاءِ بِالنَّفْسِ مِنَ الدُّنُوِّ إِلَى الْعُلُوِّ؟ وَكَيْفَ تَتَغَلَّبُ النَّفْسُ الضَّعِيفَةُ عَلَى مَحَطَّاتِ الْفُتُورِ؟
تَوَقَّفْتُ بُرْهَةً، وَعَادَتْ بِي ذَاكِرَتِي إِلَى حَيْثُ مَفَاتِيحُ بِنَاءِ الْإِنْسَانِ، يَقُولُ: مَا أَنَا سِوَى كَائِنٍ أَجْوَفَ، أَهْوَى كُلَّ مَا لَا أَنَالُهُ، وَإِنْ كُنْتُ أُدْرِكُ أَنَّ هَلَاكَ الْمَرْءِ نَابِعٌ مِنَ اتِّبَاعِ هَوَاهُ. كَانَتْ ذَاكِرَتِي مُصِرَّةً أَنْ تُعِيدَ ذَلِكَ الْمَشْهَدَ كَامِلًا، وَكَأَنَّهَا بِصُورَةٍ غَيْرِ مُبَاشِرَةٍ تُعْطِينِي أُولَى دَرَجَاتِ الْارْتِقَاءِ: تَهْوَى النَّفْسُ الرَّاحَةَ، وَالارْتِقَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِالْمُجَاهَدَةِ. مَرَّةً أُخْرَى أُحَاوِلُ جَعْلَهَا مَنْهَجًا لِنَمَطِ حَيَاتِي: "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ."
لَكِنِّي أَتَسَاءَلُ دَوْمًا: مَا هُوَ سِرُّ التَّرَابُطِ الْكَبِيرِ بَيْنَ وَهَجِ الرُّوحَانِيَّاتِ وَبَيْنَ النُّفُورِ مِنْ أَدْرَاجِ نَظَرِيَّاتِ عِلْمِ النَّفْسِ الْحَدِيثِ؟ يُحْضِرُ فِي ذِهْنِي كَلِمَاتُ مَرْوَةَ صَلَاحٍ وَهِيَ تَقُولُ لِي: مَا دِينَّا مَلِيَانُ تَفْسِيرَاتٍ لِكُلِّ عَوَالِمِ وَطِبَاعِ النَّفْسِ الْبَشَرِيَّةِ يَا فَاطِمَةُ، لِيه دَايمًا بنَلْجَأُ لِنَظَرِيَّاتِ مُلْحِدِي الْغَرْبِ؟ على أي حال إِلَى هُنَا أَكُونُ قَدْ انْتَهَيْتُ مِنْ مَسْوَدَّةِ الْيَوْمِ، عَلَى أَمَلٍ أَنْ أَحْيَا مَا تَبَقَّى مِنْ عُمْرِي فِي مُحَاوَلَةِ مُجَاهَدَةِ النَّفْسِ، آمِلَةً أَنْ أَرْتَقِيَ إِلَى النَّفْسِ الْمُطْمَئِنَّةِ.
#فاطمة_شجيع