بداية أنا من النوع الذي يفضل أفلام الخيال العلمي والدراما (لا أقصد الدراما العربية) أكثر من أفلام الحركة والعنف (الأكشن). وأمتع الأفلام بالنسبة لي هي التي تنجح في إثارة ذهني دون أن تصيبني بالملل، لذلك أميل إلى الأفلام السريالية التي تعتمد على الترميز أكثر من الإفصاح وتعليب الأفكار.
وضمن هذا النمط التقيت صدفة بنوع من الأفلام الذي شد انتباهي، وهما فيلمي خيال علمي يرتكزان على أفكار صوفية.
الفيلم الأول هو فيلم Bûgday، كنت في رحلة نحو إسطنبول على متن الطيران التركي، أردت أن أشاهد فيلم خيال علمي وفي نفس الوقت أردت مشاهدة فيلم محلي، ولم تنطبق هاتان الصفتان إلا على هذا الفيلم (لا أذكر إن كنت شاهدته بالإنجليزية أو بالتركية مع ترجمة إنجليزية). تدور أحداث الفيلم في المستقبل، أين تعاني البشرية من ندرة التربة الصالحة للزراعة بسبب تماديهم في التعديل الجيني، كما ينقسم العالم إلى مدينة صالحة للعيش وباقي العالم المليء بالأخطار ويفصل بينهما حقل كهروميغناطيسي يحترق كل من يمر عبره. أحد علماء الجينات يحصل على فيديو لعالم جينات آخر ينتقد فيه الشركة التي يعمل فيها وينذرهم بأنهم على وشك تدمير الأرض. فيضطر صاحبنا إلى البحث عنه فيجده خارج أسوار المدينة، وتمتد الرحلة معه إلى آخر الفيلم. المثير في الموضوع أن الفيلم مقتبس من قصة سيدنا موسى مع الخضر عليه السلام. كما أن الفيلم فيه الكثير من الإيحاءات لأفكار صوفية.
الفيلم الثاني صادفته في لحظة ملل حين كنت أبحث عن مادة أسلي بها نفسي فوجدت أن أحد إخوتي قد حمل الفيلم على حاسوبي فشاهدته ممتنا. عنوان الفيلم The last boy ، تدور أحداثه في المستقبل أين سقطت كل المدن ولم تبق إلا الضواحي وكان سبب سقوطها ريح (أشبه بالأشباح) تلاحق الناس وتدمرهم، سيرا طفل أرسلته أمه -قبل موتها- إلى الأرض التي تحقق الأحلام وزودته بالعدة اللازمة لاجتياز الطريق. وبالطبع سيجتازه مع تعرضه للكثير من المحطات المثيرة حتى يصل مع مجموعة من الناس إلى الأرض الموعودة. نهاية الفيلم كانت غريبة بالنسبة لي ولم أفهمها حينها، بحثت عن مراجعات للفيلم فلم أجد شيئا غير صفحة الفيلم على موقع idmb ، وجدت في الموقع كلاما عن أن الفيلم مقتبس من أشعار جلال الدين الرومي، ووجدت تفسيرات عدة لمحطات الفيلم ونهايته. أعدت استعراض الفيلم واضعا في الحسبان أن الفيلم يدور حول أفكار صوفية فبدا أكثر منطقية وجمالا. كان المرتكز هو اقتباس كتب في بداية الفيلم (كنت قد فوته) "بين عالم الحق وعالم الباطل يوجد حقل، سألتقي بك هناك".
الكثير من الأشياء تجمع بين الفيلمين، كلاهما فيلم خيال علمي (عن المستقبل) وكلاها ديستوبي (عكس اليوتوبيا) وكلاهما سريالي ترميزي ويتناول أفكار صوفية. إلا أن الأول تركي ويتميز بتشابك الأحداث وبدراميتها فيما بدا لي الثاني البريطاني أقل درامية وتعقدا بل كان هادئا لدرجة معينة.
ويجمعهما أيضا أني شاهدتهما مصادفة دون أن أعلم عن محتواهما، لذلك أظن أني سأعيد مشاهدتهما لفك ألغاز المخرج.