يختلف مفهوم السعادة من شخص لآخر، فمثلا هناك من يرى السعادة في التعليم والنجاح، وهناك من يرى السعادة في المال أو الحب أو الإنترنت وإلخ... لكن كيف تتحول سعادتنا لتعاستنا؟

شاهدتُ سابقاً الفيلم الأمريكي Requiem For A Dream، الذي تناول مفهوم السعادة وكيف بإمكانها أن تدمرنا تدريجيا، يحكي الفيلم قصصا مختلفة متصلة بعضها البعض، كل شخص له حياته المختلفة تماما لكنهم مشتركون في شيء واحد وهو الإدمان، لكن الامر المختلف هنا لكل شخصية لها إدمانها الخاص:

الأم: هي امرأة تحب مشاهدة التلفزيون، خاصة برنامجا يأمرها بالبقاء شابة وجميلة كي تقدم للمسابقة، فتجد أن فستان زفافها قد ضاق عليها بسبب وزنها الزائد، فتقرر الذهاب للطبيب ويصف لها مثبطات شهية، في البداية لن تستطيع مقاومة الأكل، لكنها كي تشجع نفسها ظلت طوال اليوم تشاهد البرنامج وأخذ جرعة زائدة من الدواء وهو ما كان يجعلها سعيدة حتى تحول البرنامج والدواء إلى إدمان وأصبحت مهووسة بشخصيات البرنامج حتى أصبحت تراهم في غرفة معيشتها، ففقدت الشعور بالواقع وانتهى بها الأمر في مشفى للأمراض النفسية.

الابن: يتعاطى المخدرات مع صديقه وحبيبته على أنه الهروب السعيد من الواقع. ثم تأتي لهم فكرة بيع الهيروين ويكتشفون عالم تجار المخدرات وبسبب توافر المخدر الدائم، تتحول سعادتهم لإدمان حتى يتعاطوا مخزون العمل، فلا يتبقى لديهم شيء، يذهب هو للحصول على المزيد وفي رحلته يجد أن ذراعه أصابه الغرغرينا بسبب المخدر, فيقع في مشاكل ويذهب للمشفى ويتم بتر ذراعه في النهاية، أما حبيبته تجد أنه تأخر عليها وهي لم تعد أن تتحمل صد الرغبة الشديدة في المخدر، فتلجأ للدعارة للحصول عليها.

عندما نفرط في استخدام شيء يسعدنا يتحول إلى إدمان عن طريق زيادة نسبة الدوبامين في المخ، فيجعلنا نتعود على هذا الشعور بهذه القوة، مما يخلق لدينا رغبة دائمة في هذا الشعور المزيف بنفس القوة، مهما اختلفت الأشياء سواء مخدر، مشروبات غازية، برامج معينة وحتى الأفكار، فمثلا نرى النساء ألتن تسعدهم فكرة الجمال المثالي، فيقمن بعمليات تجميل تشعرهن بالسعادة والجمال حتى يدمنوا عليها وتتشوه ملامحهم، ورغم ذلك لا تشبع احتياجاتهم ورغبتهم، وغير ذلك كثيراً مثل إدمان تواصل الاجتماعي، المال، النجاح، فحتى الذين يرون أن السعادة تكمن في النجاح، يظلون يعملون بجهد طوال حياتهم حتى يصبح العمل إدمان لديهم ويدركون في نهاية أن العمر قد ضاع في العمل دون الاهتمام بأنفسهم والتمتع بالحياة.

الدوبامين ليس فقط مسئول عن السعادة، ولكن أيضا يلعب دور كبير في العلم والذاكرة، ويتحد مع الناقل عصبي للسيطرة على طريقة السعادة، ومكافأة العقل بها من خلال طرق الحياة اليومية، مما يؤدي إلى تحول الإنسان من مجرد حبه لشيء إلى إدمان هذا الشيء مثل الطعام، المشروبات الغازية، الهاتف، وحتى الحب، فهناك من يسعدون بوجود مشاعر الحب في حياتهم، فيدمنون حب الشخص ويتحول حبهم لتلك المعاناة اللذيذة التي تشبه إلى حد كبير معاناة ولذة إدمان المخدرات، وكانوا قديما يصفون ذلك النوع من الحب بالجنون إلى أن جاء عالم النفس ساندور رادي وأطلق عليه مفهوم إدمان الحب، لذلك يجب علينا أن نكون مدركين بما يسعدنا وما طريقة استخدامنا له، هل نستخدمه بإفراط أم بشكل طبيعي؟ 

عموما دعونا نتعرّف على تجاربكم مع الإدمان؟ هل ترون السعادة تتحول لإدمان وتؤثر علينا نفسياً بالفعل؟