شاب يدخل في حالة اكتئاب نتيجة امصاعب الحياة، فيقرر أن ينهي حياته، ولكن صدفة تجعل عمال الفندق الذي يقيم به يعلمون بنواياه فيقررون بذل ما في وسعهم لعدوله عن قراره، هذه باختصار قصة الفيلم الرائع A Year-End Medley، والتي تسلط الضوء على حالة الكثير من الشباب في الواقع، والذين مع الأسف يتخذون نفس القرار في النهاية بإنهاء حياتهم لعدم قدرتهم على مواجهة الصعاب التي يمرون بها، أو لفقدان شغفهم ورغبتهم بالحياة، فيصبح كل ما كان يسعدهم ويعطي قيمة لوجودهم ثراب لا وجود له، فإذا وصل الإنسان لهذه الحالة وتمكن اليأس منه، فبأي وسيلة يتمسك حتى يستعيد شغفه بالحياة مجددًا؟ كيف يمكننا مساعدة شخص قرر إنهاء حياته سواء بقتل نفسه أو حتى باعتزال الحياة كأن يبقى فيها جسد بلا روح؟
الفيلم الكوري A Year-End Medley: كيف يستعيد الإنسان شغفه بالحياة؟
كثيرة هي العوامل، التي تؤدي إلى انكسار الشخص بسرعة أمام صعوبات الحياة، منها استعداده الفطري الهش، وأسلوب تنشئته وتربيته الرخو إلى حد ما، ووعورة الظروف المؤطرة لحياته وغير ذلك.
كيف يمكننا مساعدة شخص قرر إنهاء حياته سواء بقتل نفسه أو حتى باعتزال الحياة كأن يبقى فيها جسد بلا روح؟
محاولة معرفة تفاصيل حياته، وكيف وصل إلى ما وصل إليه من يأس، وبعدها مساعدته على فهم ما يمر به، وجعله يرى الأمور من زاوية أخرى، وتدريبه على تقوية نفسيته وشخصيته، وإحاطته بالرعاية الضرورية إن كنا أهلا لذلك، وإذا تعذر الأمر لا بد من الاستعانة بمتخصص لمعالجته.
استعداده الفطري الهش، وأسلوب تنشئته وتربيته الرخو إلى حد ما.
ما المقصود بالاستعداد الفطري الهش؟ كيف يستعد الإنسان نفسيا لمواجهة شيء لا يعرف أنه سيواجهه ولا يتخيل حدوثه! شخص فجأة فقد شخص عزيز جدا عليه، فدخل في صدمة نفسية، بقدر أهمية الشخص هذا عنده بقدر ما سيواجه صعوبة لتجاوز ما حدث، هذا إذا تجاوزه من الأساس، ولا يمكن لوم أي شخص في هذه الحالة، الأمر قد يصل لرغبة الإنسان في إنهاء حياته لعدم قدرته على مواجهة الألم، فربما كان الشخص الذي فقده هو سببه الوحيد الذي يربطه بالحياة.
خصوصًا في نقطة الانتحار واليأس، قد نفضل أن نقحم مختصين بالآمر قبل فوات الآوان، لأن ما بوسعنا من الممكن أن لا يكون كافيًا، أو من الممكن أصلًا ألا نكون نحاول في الاتجاه الصحيح.
الفيلم يطرح تساؤلًا وجوديًا عميقًا: كيف يمكن للإنسان أن يعيد اكتشاف شغفه بالحياة وسط ظلام اليأس؟ في لحظات الانكسار، قد يكون الحل في أبسط الأشياء: دفء العلاقات الإنسانية، لحظة صدق مع الذات، أو حتى لفتة صغيرة من الغرباء قد تفتح نافذة للأمل. المساعدة تأتي أحيانًا من إدراك الشخص أنه ليس وحيدًا، وأن مشاعر الألم يمكن مشاركتها وتخفيفها. السؤال الحقيقي ليس فقط كيف نعيد شغف من فقده، بل كيف نبني ثقافة من التقبل والدعم تمنع الوصول إلى هذه الحافة الخطرة؟
كيف نبني ثقافة من التقبل والدعم تمنع الوصول إلى هذه الحافة الخطرة؟
الحل الوحيد في رأيي هو الإيمان، والميزة في الإيمان هنا أنه غير مرتبط بأسباب مرئية تدفعك لتبني وجهة نظر معينة، بل الإيمان يكون شعور مسلم به تدفعك لتصديق شيء بعينه، كأناس لنا دين وإيمان يفرض علينا الابتعاد عن تلك الأفكار، ويمدنا بالأمل لأن الله سيعوضنا خيرا، نتمكن من الاستمرار في الحياة ونحن صابرين متحملين منتظرين لذلك الفرج أن يأتي، ولكن ماذا عن الناس الذي ليس لديهم إيمان، وماذا عن الناس الذي تمكن الاكتئاب منهم بحيث أعمى بصيرتهم وأطفأ كل آمالهم!
إن هذا أحد الأمثلة التي جعلتني أكتب مساهمة ضرورة الرجولة في هذه الايام تلك.
أنا لا أنكر المصاعب ولا أقلل من حجم الهموم والمشاكل التي يعانيها أي شخص أبدا وكل شخص وسِعته. ولكن قد كثُُرت هذه الأمثال وصار حتى عمال الفندق قلّة من جهة، وبالكاد يتحملون حياتهم حتى لاتصيبهم عدوى الهشاشة من جهة أخرى..
وما آل الشباب لما آل اليه اليوم إلا بنعومة التربية الزائدة وتمييع القيم وتغيير القدوات، فأصبح الطفل يتريى على الريش، ويطمح لأن يصير مثل ذلك المشهور في تيكتوك أو غيره،
إذا حدث و وقع الفأس في الرأس وغاص في هذه الحالة، فالحل أن يتذكر أنه مهما كان السبب الذي جعله يفقد الشغف فهو ليس السبب الذي خُلِق لأجله، ولايحق له إنهاء حياته وهي موجودة لهدف آخر غير الذي جعله يفكر بإنهائها، لكنه من الصعب أن يتذكر هذا وهو داخل دائرة الظلام تلك، فلا بد أن يذكره شخص آخر خارج المشكلة بهذا الأمر، وحالما يبدأ بالنهوض قليلا على قدميه، أنصحه بمطالعة التاريخ وقصص القدوات الصحيحة.. وهم الصحابة والقادة المسلمون من مختلف العصور، حينها سيطلع على جانب آخر كان غافلا عنه، وستتجلى له حلول لم يكن يبصرها، وسيتعلم أن الكَبَدَ موجود لنواجهه لا لنستسلم له أو نهرب منه.
ولكن أن يصل الإنسان لمرحلة الرغبة في الانتحار فهذا ليس فقدان شغف ومبالغة في حق الشغف لو وصفناه مبرر لذلك.
دوافع الانتحار غالباً ما تكون أكبر وأعمق كتجارب عاطفية أو خبرات وفشل متكرر أو تعرض لأزمة أو ابتلاء نعجز عن تحمله، وأظن أن القرار ينتج عندما يشعر هؤلاء أنهم يواجهون بمفردهم ولا احد يبالي لهم.
فهذا ليس فقدان شغف ومبالغة في حق الشغف لو وصفناه مبرر لذلك.
الأسباب التي ذكرتها هي ما تؤدي لفقدان الشغف في الحياة، والشغف هنا يعني الرغبة عموما، طبيعة الإنسان وفطرته تجعله يحب الحياة ويتمسك بها، وتلتمس ذلك وهو يحاول بكل الطرق البقاء على قيد الحياة إذا تعرض لخطر ما، فما الذي يجعل الإنسان بنفسه يرغب في أن يعرض نفسه للخطر ليتخلص من حياته؟ أن يحدث خللا في تلك الغريزة فيفقد رغبته في الحياة، لأنها لم تعد تسعده أو تريحه، بل أصبحت مصدر شقاء وعبء غير قادر على تحمله، وإذا ببساطة وجد سبب يجعله يرغب بالتمسك بالحياة من تاني والسبب هنا يسمى "الشغف" ستتلاشى تلك الأفكار، ولكن ماذا لو لم يأت هذا السبب في الوقت المناسب!
التعليقات