التضحية من أجل أحبابنا، الكثير منا يفعل ذلك لكن هل التضحية مؤقتة أم بشكل دائم؟ وكيف تؤثر تضحيتنا علينا وعلى أحبابنا؟

شاهدتُ في وقت سابق الفيلم الأمريكي The wife  والذي يناقش مفهوم التضحية في إطار فتاة (جوان) وقعت في حب أستاذها (كاسلمان) في الجامعة وقد وقع هو الآخر في حبها بسبب كتابتها الذي أشار أنها عظيمة، ثم يتزوجان ويصبح هو الكاتب المشهور المعروف ويبدأ الفيلم بتلقيهم خبر فوزه بجائزة نوبل للآداب وشكره على مسيرته الأدبية العظيمة، تستمع زوجته للمكالمة دون أن تتحدث مع تثبيت الكاميرا على عيون الشخصية العاطفية وهي تتعامل بصمت مع الموقف المتطور وتقدره، ثم نرى خلال الاحتفال الذي يقيمونه في منزلهما، علاقة كاسلمان الجميلة المليئة بالحب مع زوجته واعتنائها به الدائم حتى في الأشياء البسيطة، وتكشف لنا الحفلة عن الفروق بين الشخصيات.

كاسلمان هو رجل مدلل طفولي ولديه شعور لا يقهر بالاستحقاق والنرجسية، أما زوجته فهي الشخصية الهادئة، العاقلة التي تستطيع احتواء كل من حولها والاعتناء بهما، أما ابنهما ديفيد هو كاتب طموح يائس بسبب عدم اهتمام والده بما يكتبه أو تشجيعه عكس والدته تماماً، لكننا منذ بداية تلقيهم خبر فوز كاسلمان بجائزة نوبل ونحن نشعر بأن هناك شيئا غير مفهوم، بسبب ردود فعل زوجته وغضبه الذي يظهر فجأة دون داعي، وظهور التوتر والغرابة عندما يشكره أحد بأسماء شخصية في إحدى روايته ونجده لا يعرفها وحينها زوجته تذكره بها، وعندما تكلم أحد المكرمين في الحفل عن أن زوجته تعمل ما يعمله ، فيخبره كاسلمان أن زوجته لا تكتب وهذا من فضل الرب، لماذا يخفي كاسلمان حقيقة زوجته بأنها كاتبة؟ هل لم تعد تكتب؟ هل ضحت بكونها كاتبة لتكون زوجة وأم مخلصة؟

يكشف لنا الفيلم سبب الغموض تدريجيا من خلال رحلتهما لتسلم الجائزة، عبر ناثانيال وهو كاتب سيرة ذاتية يريد كتابة سيرة كاسلمان لكنه يرفض بغضب دائما ولكن في خلال أيام الحفلة، وملاحظة جوان بأن زوجها معجب بمصورته الشخصية وتختنق من كثرة الناس التي تحوم حوله ويحدثونها كي يصلوا له، فتجد نفسها جالسة مع ناثانيال يتحدثون، ويكشف ناثانيال أنه يعرف سرها ويحاول استدراجها للحديث لكنها تنكر وتتركه غاضبة تفكر في حديثه، فنعرف من ذكرياتها فشل كاسلمان ككاتب في البداية ورفض دور النشر له، فتقوم زوجته بإصلاحها ويوافقون عليها وتبدأ التضحية من هنا لكنها تستمر، و تترك جوان مهنتها ككاتبة لتكتب لكاسلمان كي تحافظ على علاقتهما وكي لا يتركها لأنه في البداية كان يشعر بالغيرة حول كونها الكاتبة العظيمة التي يهتم القليل بكتاباتها وكونه الكاتب المرفوض، ومن هنا تبدأ التضحية وتستمر حتى يفوز كاسلمان بجائزة نوبل على رواياته التي بقلم زوجته، وكيف تحولت شخصية كاسلمان للنرجسية والاستحقاق الكاذب وممارسة السلطة على عائلته في أبسط الأشياء وكل ذلك بسبب تضحية زوجته الذي منحته الثقة الكاذبة والعيش في وهم الكاتب المشهور حتى أنه أصبح مؤمن إيماناً شديداً أنه من كتب تلك الروايات.

برأيي ليست البطولة هي التي تدفع هؤلاء الناس للتضحية بأنفسهما ولا الحب لكن ما لا نعرفه أن التضحية تنتج بسبب شعورين وهم الشك والخوف، سواء الخوف من الشعور بالوحدة أو فقدان أحد أفراد أسرته، وجوان بطلة الفيلم كانت تخاف من خسارة زوجها وتشك في أنها لن تصبح كاتبة مشهورة، لكننا لا ننكر هنا أن التضحية من أجل الحب أيضاً هو هدف نبيل غرضه إرضاء أحبابنا لكننا لا نكون واعيين بدوافعنا الأساسية وهي عدم خسارة هذا الشخص، لكن ماذا لو لم يشبع الطرف الآخر من تضحياتك؟ ستكون النتيجة شبيها للفيلم، ويرى التضحية بأنها استحقاقية، أي أنه سوف يرى أن هذا الفعل عادي، كما تضحي الأم كثيراً من أجل أولادها وعندما تطلب الراحة لبعض الوقت وتنعم بحقوقها البسيطة، يرى البعض أنه ليس من حقها، فهي طوال الوقت تضحي، فلماذا الآن تريد الراحة؟ وكأن أبسط حقوقها لم تعد تملكها.

أحيانا يظن البعض أن التضحية تقوي العلاقة وتحافظ على الحب لكن علم النفس أكد أن حب الذات وفهمها وتقدريها هو ما يقوي علاقتك بأي شخص آخر وليس إهمال النفس, لأنك عندما لا تحب ذاتك ولا تفهمها, لن تستطيع فهم الآخر وتهمل نفسك وأن التضحية مفهومها تتلخص في إهمال الذات من أجل إرضاء الآخرين.

هناك أيضاً أشخاص يرون أن لن تدوم أي علاقة دون تنازلات دائمة, لكن هل يجب علينا فعلا التنازل لتدوم العلاقة؟ هل يجب ربط التضحية بالحب؟ هل لو قمنا بالتضحية مرة، ستكتب على باقية حياتنا؟ أم يجب علينا التوقف عن التنازلات عندما نراها تتمادى؟