من أجمل وأشهر مسرحيات وليام شكسبير تاجر البندقية أو تاجر فينيسيا كما يطلق عليها البعض.

لن أناقش معكم قصة المسرحية بأكملها؛ فأنا أحب قراءة ما بين السطور، والجملة التي استوقفتني اليوم هي جملة "إن الإنسان يُشقيه فرطُ الغنى كما يُشقيه إملاق الفقر" مساهمة اليوم ستأخذ مَنحى فلسفي نسبيًا؛ لذا تحملوني قليلًا.

أغلب الفلاسفة نظروا للفقر والغنى بنظرة غريبة جدًا؛ فهناك فئة كانت تنظر للفقير، وكأن فقره عبارة عن قدر مُحتم عليه، والفئة الأخرى نظرت للفقراء، وكأن فقرهم لعنة أبدية أصيبوا بها، وعلى صعيد أخر نظروا للأغنياء وكأنهم طغاة وفاسدون، وقالوا أن ثرائهم قدر ولعنة في الوقت نفسه. 

في الأساطير القديمة كانوا يصبون اللعنات على الأغنياء ويصفوهم بالبخل، انظروا للأدب الإنجليزي على سبيل المثال، وستتذكرون على الفور شخصية روبن هود، أبرز شخصيات الفلكلور الإنجليزي، والذي اشتهر بسرقة الأغنياء لكي يُطعم الفقراء، وارتبطت أسطورته بمحاربة الظلم والطغيان.

قرأت مقالة منذ فترة كانت تتحدث عن كتاب "مسامرات الأموات" للفيلسوف لوقيانوس السيمساطي، وكان فيها الحوار الآتي بين الفيلسوف ديوجين وبولوكس ابن جوبيتر، وكان الأخير سيعود للحياة مجددًا في اليوم التالي، وهنا قال ديوجين سأوصيك بتوصيل رسالة للفيلسوف "منيب" وكانت الرسالة كما يلي:

ديوجين: قل له إذا كنت اكتفيت من الهزء مما يجري على الأرض فديوجين يدعوك إلى الهاوية حيث ستضحك أكثر وأكثر، ولاسيما عندما ترى الأغنياء والولاة والطغاة ذليلين حقيرين، وقل للفقراء، وهم كثيرون ويتألمون ويندبون شقاءهم، ألّا يبكوا ولا يندبوا حظهم، وأخبرهم بالمساواة السائدة عندنا في الجحيم وسوف يرون الأغنياء في دنياهم لا يَفْضلونهم هنا في شيء.

هذا كان رأي الفلاسفة والأدب العالمي في قضية الفقر والغنى، ولكن شكسبير كان له رأي أخر؛ فهو يشفق على الاثنين ويقول أن فاحش الثراء يُشقيه ثرائه بالضبط كما يشعر الفقير بالشقاء بسبب الفقر المدقع.

الآن هل تتخذون صف الفلاسفة والأدب الإنجليزي أم تشفقون على الفقراء والأغنياء -على حدّ سواءَ- كما أشفق عليهم شكسبير؟