دعونا نتفق قبل البدء على أمرٍ هام، وهو أن المسرح يكتب ليعرض لا ليقرأ، وبناءً عليه يهدف صناع العمل لجذب الجماهير وإبقائهم في مقاعدهم حتى نهاية العرض المسرحي، وما يحقق هذا الهدف هو احتواء العرض على صراع درامي قوي، فالصراع الدرامي لأهميته يوصف بأنه العمود الفقري للأعمال المسرحية، هذا العنصر الذي يقوي العرض ويجعل الجمهور في حالة ترقب دائم لما سيحدث، فإن كان الصراع ضعيف يصاب الجمهور بالملل، هذا الملل الذي يمكن أن يؤدي لأن يصف الجمهور العرض بالسيء، بل لأن يرحل دون أن يكمل ما يشاهده على خشبة المسرح.

يتكون الصراع الدرامي من بداية ووسط ونهاية، يبدأ منذ بداية الأحداث على خشبة المسرح، ويظل يتصاعد معها حتى يصل لمرحلة الذروة، يحدث هذا في ظل وجود مفارقة درامية قوية

ثم يحدث ما يسمى ب"الإكتشاف أو الإنقلاب" أي تحول مسار الأحداث من الجهل النسبي إلى العلم بخبايا ما كان يحدث طيلة الوقت، وبناءً على هذا الانكشاف تتشكل النتائج الحتمية للأحداث السابقة، وبذلك ينتهي الصراع.

يوجد نوعين من الصراع:

▪︎صراع داخلي: وهو ما يحدث بين الشخص ونفسه، وأبرز مثال عليه مسرحية هاملت لشكسبير، فالصراع هنا يدور داخل شخصية هاملت نفسه، يدور بين رغبته في الإنتقام لموت أبيه، ورغبته في الإستسلام ومتابعة الحياة بشكل طبيعي.

▪︎صراع خارجي: وينقسم إلى صراع الإنسان والطبيعة، وصراع الإنسان وإنسان آخر. 

الصراع بين الإنسان والطبيعة هو بداية نشأة الصراع بوجهٍ عام، فالإنسان البدائي كان يتصارع مع الحيوان الذي يريد إصطياده ليقتات به، والحيوان يريد الهروب والنجاة بحياته، وإن كان هذا الصراع غير متكافئ، فإرادة الإنسان تختلف عن إرادة الحيوان، ولكن فكرة الصراع هذه تطورت فيما بعد وتشكلت منها أعمال أدبية عظيمة، كرواية موبي ديك لهرمان ملفيل، فالصراع هنا ليس مجرد صراع بين إنسان وحوت، حيث أن الحوت أصبح رمزاً مجسداً للشر وللقدرية التي يحاول القبطان أن يهزمها، ومع بداية رحلة الإنتقام يقوم الحوت الضخم بتحذير القبطان وطاقمه أكثر من مرة، ثم يستدرجهم في النهاية ويقتلهم جميعاً، فالحوت هنا رمز لقوة ذات إرادة واضحة تصطدم بها إرادة القبطان.

وهكذا الصراع بين إنسان وإنسان آخر، كلٍ منهما يريد أن يكسر إرادة الآخر ويفرض إرادته هو على الأحداث، فالصراع الدرامي عبارة عن صراع إرادات الشخصيات، ليس صراع قوة بدنية أو صراع أفكار، ويجب أن تكون الشخصيات متكافئة، فلا يمكن أن يحدث صراع بين شخص يمتلك العديد من الإمكانيات التي تؤهله للانتصار وآخر معدم تماماً، فالنتيجة محسومة من قبل البدء.

وأيضاً الصراع الدرامي ينتج من الاختلاف مع الإتفاق، من الجهل مع العلم، فهو الامتداد الطبيعي للمفارقة الدرامية، ولهذا إلق نظرة على مساهمة المفارقة الدرامية التي أشرت لها في بداية هذه المساهمة، ليتضح المعنى أكثر.

شاركنا بالأعمال التي شاهدتها أو قرأتها وجذبتك بسبب وجود عنصر الصراع بها بشكل قوي.