بعض الأقتباسات المشهورة التي تناولتها السينما المصرية وساد رنينها، ومعناها وسط المجتمع المصري.

مع انتشار بعض العادات الاجتماعية علا رصيد تناول الامثال الشعبية وتحولت للغة رائجة بل وانتشرت بشكل سريع وقد ساعد التلفزيون تلك الشاشة الصغيرة والعدسة المكبرة لما يحدث في الشارع المصري.

كان التلفزيون هو همزة الوصل بينها وبين عقول المشاهد.

لقد وصل التلفزيون لجمهوره، في بداية العشرينات وأنتشر في بداية الاربعينات، وقد بدأ بشاشة السينما الكبيرة وعرضها على الهواء مباشرة مما أدى لحجب فئات كثيرة من الاستمتاع به، حتى وصل للمنازل في الخمسينات.

كانت حقبة الخمسينات هي الحقبة الذهبية لظهور التلفزيون وفي ذلك الوقت ظهرت أهمية كبيرة لهذا الاختراع حتى انتشر سريعا. وذاع صيته.

وكما قال موريس ويجين ( التلفزيون نافذة واسعة على العالم فهو بديل للصحبة وللرحلة نشاهده بينما نحنُ منكمشين في امكانا.

ومن هنا انطلق التلفزيون لكي يكون داخل كل منزل

وأنتشر من خلاله اللغة الجديدة لبعض الامثال والاقوال الشعبية.

وقال نيوتن منيو

( إن لم تعرف ما يجرى في التلفزيون فأنت تفتقد العالم)

إذاً ماذا يوجد خلف تلك الشاشة وما يحدث في العالم؟

إذا خاطبنا أنفسنا سنرى البداية، عندما بدأت السينما اعتمادها على المسارح الفنية والعروض الموسيقية ونقلت لنا صور الفن والموسيقى، وكانت حينها من أرقى الصور التي انعكست على المسشاهد وتمنى تقليدها، ثم تعمقت بعد ذلك في نقل الواقع الاجتماعي، والسياسي حتى انتقلت إلى التلفزيون والذي نقل للمشاهد صورة مقربة واوضح للأمور ونما داخلنا رغبة في البحث عما يتم عرضه علينا.

قال روبرت فريزر المدير العام للتلفزيون البريطاني

« إن وظيفة التلفزيون تقام على مستوين اساسين

الأول وهو المستوى الفكري والذي يُبنى على ادرك المعرفة والثقافة والتعمق فيها

والثاني على المستوى العاطفي حيث يولد مشاعر وشعور بالعطف لدى المشاهد لاستدراجه لقلب الحدث

فعندما بدأت صناعة السينما تناولتها الطبقة الارستقراطية وكانت السينما في ذلك الوقت للهو والتسلية

وانتقلت شاشة السينما لرصد الصور الواقعية والحقيقية وجذبها بشكل اعمق واكبر وعملت على تصوير الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي للمشاهد ولكي تصل تلك الصورة لجميع الفئات وتحويلها لطاقة حركية أقرب كان التلفزيون هو الاقرب لعقل المشاهد الذي استطاع التعمق لعقله بلا استئذان، ليتحكم في مستوى ما يشاهده ويجذبه إليه تاركا لديه أثر ونتيجة ما يشاهده.

وهنا نأتي لما حدث بعد بلوغ التلفزيون لذلك العمق الكبير وما اثار من خلفه في عقل المشاهد

كان للتلفزيون من افكار ومعرفة ثقافية جذبت البعض له إلا إن كان له فئة اطاحت بذلك الفكر فيما بعد

لقد أكتسب التلفزيون صفة مميزة عن السينما بعد أن تناقل من خلاله الأفكار وما تحتويه من رموز مشفرة وضعت بين السطور ليتلقاها المشاهد بعينِ متصفحة ويتناولها بدوره لتصبح مثال دائم في حياته

ومن تلك الاثار هي نقل واقع المجتمعات الشعبية عن طريق الافلام وترك بعض الحوارات والأفكار لدى المشاهد يتناوله في واقعه وبشكلِ سريع .. ومن تلك الامثال أو الجمل المتناول عرضها

«جواز عتريس من فوادة باطل» تلك المقولة من فيلم شيء من الخوف للكاتب ثروت اباظة والذي نقل واقع بعض القرى التي وقعت تحت سيطرة اصحاب القوة من بعض قطاع الطرق وذوي السلطة العالية ، واصبحت تلك الجملة حديث البعض عندما يتم رفض زفاف ما أو حتى بشكلِ كوميدي وصارت الجملة المشهورة في اغلب المناسبات

ونأتي لما هو مثير للجدل أكثر والذي حط من بعض العقول الغائبة عندما بدأ التلفزيون في نقل صور الشعبيات التي تنازلت عن مفهومها الاخلاقي، وصار لدى المشاهد قناعة راسخة عن مفهوم تلك الأمثال كفيلم العار للكاتب محمود أبو زيد ومقولة نور الشريف الشهيرة

« الحشيش لو حلال ادينا بنشربه ولو حرام ادينا بنحرقه»

تلك المقولة والفكر المحترق اثار لدى الشباب البوح لفعل ذلك واكتسبوا تلك الجملة كمبرر لما يقامون به وقناعة تامة لافتعاله ،وزاد في تلك الحقبة الكثير من الافلام كفيلم الباطنية وفيلم الكيف ،والذي انتشر من خلاله الكثير من الاغاني الشعبية التي انتشرت خلال عرضه لاول مرة وكان للمشاهد دور في نشر تلك السلبيات من خلال بعض الافكار المطروحة في الفيلم وكان منها حوار البطل محمود عبد العزيز مع اخيه والذي ظهر بدور الطبيب والفكر المعارض لتلك الفئة الأجتماعية

« وكان الحوار كالتالي:

محمود عبد العزيز/ احنا في عصر تفتيخ المخ

يحي الفخراني/ ومادام في عصر تفتيح المخ بتقفل مخك ليه بالهباب اللي بتشربه ده

محمود عبد العزيز/ يقفله!! ده أنا باداهبزه وداهرزه عشان بيرعش ويحنكش ويبقى أخر طعطعة

وانطلاقا من هنا نرى قناعة المشاهد الحقيقية في تقبل تلك الأفكار والسير على محاذاتها وكأنه نقل من الواقع لعقل المشاهد بدون ادراك

ولا ننسى الجمل السياسية والتي كانت موجودة وبكثافة في بعض الافلام وانتشرت فيما بعد على ألسنة الناس كمثال ورمز سياسي وكان منها « ما أصعب المبادئ هذه الأيام»

جملة أحمد ذكي في فيلم البيضة والحجر .. الفيلم الذي كان رمزا فلسفيا للقضاء على الشكل السياسي والديني معا ومنه استطاع التطاول بتلك الافكار التي تبناها أن يثبت أن العقل من السهل خداعه والسيطرة عليه من خلال القناعة الحتمية في ضروريات الحياة وايضا فيلم الزوجة الثانية وجملة حسن البارودي وتفسيره للآية « اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الأمر منكم .. انت هتكفر يا بني» تلك الآية اثارت الجدل في عقول المشاهد الذي يتعايش داخل نفس البيئة ونرى هنا كيف تم التلاعب بالفكر والاصول الدينية بعقول مَن هم مِن الضعفاء وكيف كانت للسلطة الحاكمة يدا تطاولت بها على الحقوق العرفية.

ومن اكثر الافلام اثارة في الجذب السياسي كلمة عادل أمام

« احنا بتوع الاتوبيس» تلك الجملة التي نادى بها اغلبية الشباب فيما بعد والتي كان لها جماهيرية فكرية

تشبث بها المواطن كرمز للظلم والتعذيب وكانت شكل من اشكال البشاعة البيروقراطية وما قد لا يعلمه الكثيرين إن الفيلم عن قصة حقيقية للكاتب الصحفي( جلال الدين الحماصي) من كتاب «حوار خلف الاسوار»

ولا ننسى ذكر كلمة مصر من تلك الأمثال والتي تم انتسابها لمصر كونها دائرة تلك الفجوة والتي جعلت المشاهد يربط تلك الاحداث بكلمة «هي دي مصر»

ومنها جملة يسرا في فيلم معالي الوزير« مصر ميستخباش فيها سر أكثر من يومين» الفيلم الذي يظهر ضعف بعض القوة السياسية ومناصبها الفاسدة تلك الفوهة التي يتسرب منها اسم مصر كمثال للتخريب وكان استكمالا لتلك الصورة جملة محمد العربي في فيلم الملاطيلي « انا مش شايف في مصر غير بيبان مقفلة»

لينغلق الباب هنا على الشكل والصورة الكاملة التي اكتسبها المواطن من التلفزيون بجملة الفنان حمدي احمد لدوره في فيلم القاهرة ٣٠ « طظ» تلك الكلمة اصبحت رائجة إلى الأن وكأنها هامش وسخرية واستهانة من قيمنا وحتى اخلاقنا.

ونتساءل هل يعكس التلفزيون الصورة الواقعية والعمق الحياتي الذي نعيشه بعيدا عن بؤرة احداثه

أم تم التلاعب بعقولنا الصغيرة ليتم غرس بعض الحكم والصور الزائفة والتي من خلالها تم بث تلك الافكار والتي نشرناها بدورنا لتكون أسس ومراجع لكل ما يحدث في مصر من شعبيات وثقافات وصور واقعية، اجتماعية وسياسية واقتصادية ادت أن تكون اداءة لجهاز التلفزيون ليتحكم في بثه الينا مباشرة.