يا ترى ما هو مفهومنا عن العدالة؟ تساؤل روادني منذ فترة ، لكني دعني أخبرك عن أول شيء خطر ببالي وهو «سيدة العدالة» والتي برأيي تعد أبسط تمثيل فني لمفهوم العدالة غبر التاريخ، فالعصابة على عينيها هي دليل على أن العدالة يجب أن تكون مجردة من كل الانحيازيات والمشاعر وحتى الانطباعات التي قد تبادرنا عند رؤيتنا لشخص ما؛ فالعدالة يجب ألا تعرف سوى الموازنة بين كفتين دون أي تفضيل، ولكن عندما تطبق هذه العدالة عبر القانون والمقيمين عليه من بشر، فهل حقًا يمكن أن تحافظ على نزاهتها؟

فيلم «12 رجلًا غاضبًا» هو تحفة فنية خالدة صدرت عام 1957 من إخراج العبقري «سيدني لوميت»، ويروي قصة هيئة محلفين مكونة من 12 رجل يتشاورون لتحديد مصير شاب متهم بجريمة قتل من الدرجة الأولى، وكان حكمهم إما أن يقرر براءة المتهم أو يحيله للكرسي الكهربائي والذي كان وسيلة الإعدام الشائعة في ذلك الوقت. الأمر الملفت للنظر أن النظام الأمريكي ينص على أنه كي يكون الحكم صحيحًا، يجب أن يكون بالإجماع ويكون كل شخص ضمن هيئة المحلفين مقتنع به كل الاقتناع.

الفيلم لا يحتوي على مشاهد انفجارات أو مطاردات السيارات، بل يقع كله في غرفة مغلقة، وعلى الرغم من ذلك، فسينجح في حبس أنفاس المشاهد حتى أخر لحظة.

للوهلة الأولى قد يشعر البعض أن الفيلم مزدحمًا بعشرات الأفكار، لكن هذا غير صحيح. فالفيلم يدور حول فكرة واحدة يقوم بمناقشتها من كل الجهات ألا وهي: هل يمكن للبشر أن يطبقوا العدالة بحياد كامل؟

فعندما ننظر لأبطال فيلمنا، لن نجد عصابة العينين، بل سنجد عيونهم مفتوحة على وسعها، نرى الحياة بوجهة نظر مبنية على الكثير من المعتقدات والانحيازيات والأهواء، وكلهم يكونون نتيجة لتاريخ طويل محفوف بالتجارب. فالأكيد أننا لن نجد ملائكة ضمن هيئة المحلفين، بل سنجد أشخاص عاديين لكل منهم حياته الشخصية الذي يود أن يعود إليها بسرعة، ولذلك يتسرعون بالحكم على الفتى الذي يعجز البعض منهم عن رؤيته من دون النظر للأقلية التي ينتمي إليها والتي تعطيه صورةً تجعل منه مجرمًا بالضرورة.

ولكن هناك خصلة بشرية أخرى تحرك واحد منهم لوضع نفسه مكان ذلك الفتى ألا وهي القدرة على التعاطف، ومن تلك القدرة ينبثق دافع ذلك المحلف ليجبر أقرانه على إعادة النظر لشهادات الشهود وأدلة الجريمة.

وماذا عنك، تخيل لو كنت أنت الشخص الثالث عشر، وكنت مسؤولًا عن تقرير مصير أحد الأشخاص الذي كان قرارك هو الشيء الوحيد الذي يحول بينه وبين الموت، هل كنت ستتريث وتعيد النظر في كل الأدلة والبراهين؟ وهل ترى أن البشر أصلًا مؤهلين لتحديد مصير شخص ما؟