كل ابن آدم خطاء؛ إذ طالما أنك إنسان فانت معرض طيلة حياتك للوقوع في الأخطاء وأن يكون لك زلات، إلا طبعًا لو كنت من جنس الملائكة. ولذلك دائمًا ما نكون في رحلة بحث عن فرصة ثانية نُصلح من خلالها أخطائنا كي نعود مجددًا للطريق الصواب. ويفوز دومًا من يُحسن استغلال تلك الفرصة ليعيد تغيير مسار حياته مهما ارتكب من أخطاء، وقصتنا اليوم هي خير دليل...
«أمسكني إن استطعت» هو فيلم صدر عام 2002 من إخراج «ستيڨين سبيلبيرغ»، ويندرج تحت قائمة أفلام الجريمة والسيرة الذاتية، ومازال الفيلم يحظى بشعبية كبيرة جدًا على الرغم من كونه صدر منذ عشرين عامًا، قد يتساءل البعض، ولماذا يحظي بهذه الشعبية؟! بالطبع إن تحدثت عن السبب في ذلك قد لا أكون أوفيته حقه من المدح والاشادة به، لِذا أفضل أن يتم التعرّف على سر هذه الشعبية الكبيرة من خلال مشاهدته.
في الواقع الفيلم مقتبس عن كتاب يحمل نفس الاسم ويحكي القصة الحقيقة لـ«فرانك أباغنيل» أشهر مُزور ومُحتال في تاريخ أمريكا والذي استطاع أن يُزور شيكات بملايين الدولارات وهو لم يبلغ عامه الـ21 .
«فرانك» الذي قام بدوره «ليوناردو دي كابريو» كان يعيش حياة هنيئة مع والديه في مدينة «نيويورك» الصاخبة، ولكن عكر صفوها بعض المشاكل المادية والتي أدت لانفصال والديه وهو في سن السادسة عشر مما اضطره للهرب من منزله، وبدأ في مواجهة ظروف الحياة بمفرده، ولكنه سرعان ما لجأ للجريمة كي يستطيع توفير قوت يومه. يبدو لي حقًا ان لعنة الاوضاع المريرة التي مر بها «فرانك» وقعت عليه؟ وهل نتوقع من فرانك الأفضل بعد كل ما حدث معه؟!
عمومًا يبدو أن «فرانك» كان شديد الدهاء لذلك استطاع إقناع الجميع أنه أكبر من عمره الأصلي بعقدٍ كامل، ومن ثم بدأ بتزوير الشيكات وانتحال شخصيات مختلفة منها شخصية طيار في شركة خطوط جوية شهيرة، وسافر لبلدان عديدة لشهور من دون أن يكتشف أمره أحد. وبعد هذا انتحل شخصية طبيب أطفال في مستشفى بمدينة «جورجيا» لأكثر من سنة، وطوال تلك السنة، لم ينجح أحد بإقحامه في عملية أو إجراء طبي معقد على الإطلاق.
بعدها انتقل لولاية «لويزيانا» واجتاز اختبار مزاولة مهنة المحاماة والمعروف بصعوبته الشديدة واستقر هناك لمدة عام قبل أن يغادر البلاد فرارًا من عميل مكتب التحقيقات الفيدرالي الذي كان يلاحقه والذي أدى دوره «توم هانكس».
وبالفعل تم القبض عليه في فرنسا وهو ابن ٢١ عام، وحُكم عليه بالسجن لمدة ١٢ عامًا، ولكن عَرض عليه مكتب التحقيقات الفيدرالي فرصة عمره والتي كانت عبارة عن العمل معهم بدلًا من قضاء مدة عقوبته في السجن، فوافق على الفور واستطاع أن يغير مسار حياته تمامًا، وأصبح مستشارًا في مجال مكافحة الغش وله شركته الخاصة، ومازال يعمل مع مكتب التحقيقات الفيدرالي حتى يومنا هذا بعد أكثر من أربعين عامًا من انتهاء فترة عقوبته الرسمية.
وكل مرة يُسأل فيها عن حياته يقول إنه لم يفعل شيئًا مبهرًا وإنما كان طفلًا ضائعًا لم يعلم حجم ما كانت تقترف يداه، وأنه كان محظوظًا للغاية بالفرصة الثانية التي منحتها إياه الحياة، وأنه مازال يفعل كل ما في وسعه للتكفير عن أخطائه.
وبعد معرفتك بهذه القصة، ألا تظن أن من لهم سوابق إجرامية يستحقون فرصة ثانية في الحياة، بل وواجب على المجتمع أن يمد يد العون لهم بعد انتهاء فترة عقوبتهم وقضاء دينهم؟ فربما لا توجد طريقة صحيحة لفعل شيء خاطئ، ولكن توجد ألف طريقة لتصحيح هذا الخطأ. أم ترى أنهم فقدوا كل فرصهم عند ارتكابهم لجرائمهم؟
التعليقات