لأفلام الأبطال الخارقين في واقعنا اليوم شعبيّةٌ طاغيةٌ، وناتجُ ربحٍ هائل، وبما أننا جميعنا نرى الواقع، دعونا نذهب لما خلف الستار؛ عسانا نستكشف جزءاً من تاريخ هذا الواقع الذي استدرج كبارنا قبل صغارنا إلى أحضانه.

تاريخٌ عجيبٌ:

لن نعود إلى الوراء كثيراً، فبداية قصة واقعنا بدأت مع ربيع العام ألف وتسعمائة وثمانية وثلاثين، حين أصدرت مجلة دي سي كومكس بطلها الخارق الأول "سوبر مان"، ذلك البطل الذي كان مجرد نقشٍ على ورق يُخاطب عقلية بعض الأطفال؛ لزيادة المبيعات وملاشاة بعض المسائل الضريبيّة، والذي سيصبح بعد عدة عقود أيقونة الخيال الأولى في العالم الحديث. ودعوني أُفجِّر لكم الآن حقيقة غائبة -عن أكثرنا- تخصُّ مسيرة الخيال الحديث الذي احتكرته رؤيتين فقط؛ فبمجرد اقتناع بعض جمهور دي سي بشخصية سوبر مان، لم يكن هناك بد من خلق عدوٍّ له قابلٌ للصمود أكثر من الآخرين؛ لذا خرجت شخصيّة باتمان إلى النور. وما هي إلّا أيام قلائل ويَنقَدِحُ ذهنُ -الخالدة أعمالُهُ- ستان لي، ليُخرج للعالم غالب شخصيّات مارفل التي نعرفها اليوم، لتحتكر بهذا الشركتين سوق الأبطال الخارقين، اللهمَّ إلّا بعض المحاولات البائسة هنا أو هناك.

هل هذه البداية حقاً؟

من المعلوم أن ثقافة البطل الخارق مبثوثة في ثقافات الشعوب المختلفة، عربهم وعجمهم، فمن منّا -نحن العرب- لم يسمع عن أبي زيد الهلاليّ وجولاته في المغرب العربيّ؟ ومن من العجم -المُستَشرِبين من الإغريق- لم يسمع عن هيركليز (هرقل) أو أخيليس؟

على صعيدٍ آخر، ترى السينما ونقَّادُها أن بداية عالم الأبطال الخارقين كانت عام ألفٍ وتسعمائة وثمانية وسبعين، حين صدر فيلم سوبر مان، بالطبع لم يكن هذا أول فيلم لبطلٍ خارق، لكنه الفيلم الذي نجح في إحداث ضجة كبيرة حول العالم. وبما أن الضجة حدثت فما هو التالي برأيكم؟

الأمْرَكة والمجلات العربيّة:

كما أخبرنا ابن خلدون قديماً أن المغلوب دائماً مفتونٌ بثقافة وقوة غالِبه، هرعت الأدمغة العربيّة لاستشراب هذه الثقافة المحدثة وتعريبها، دون إضفاء أي لمسة إبداعيّة عليها، مضاعفةً بذلك العبء على الأجيال الجديدة؛ لتخرج مجلات سوبر مان العربيّة، وليصبح الرداء الأحمر علامة مضيئة في تاريخ الخيال العربيّ. لكننا لم نقف هنا، بل تفنَّنَّا في استنساخ هذا الواقع السينمائيّ الجديد (حتى وإن وضعنا عليه اللمسة الكوميديّة المصريّة)؛ فأخرجنا أعمالاً مثل العتبة جزاز لفؤاد المهندس، وطاقية الإخفاء، والفيلم الأشهر للجيل الحالي الحاسة السابعة.

الأبطال الخارقون بين الماضي والحاضر:

على حين تفنَّنَّ العالم الغربي (مصدر هذه الثورة السينمائيّة) في تجديد وتنويع أعماله الخياليّة، وإضفاء اللمسة الدراميّة الواقعيّة الإنسانيّة إليها، سواءً في روائع مارفل في مرحلتها الثانية، أو إبداعات كرستوفر نولان في ثلاثيته لباتمان، كان المجتمع المصري مشغولاً بشيء آخر وهو صنع أفلام الأبطال الشعبيين، أو بمعنى أدق أفلام البطل الشعبي عادل إمام بجميع الصور والأنماط. وعلى عكس المتوقع؛ سحقت هذه الأعمال المبتذلة –برأيي- سوق أفلام الغرب، وانطلقت لتغزو السينمات العربيّة واحدةً تلو الأخرى، فلماذا يا ترى؟ 

لن أُجيب عن سؤالي الأخير، لأني أحب أن أسمع منكم، فحكمنا على ما لا نحب كثيراً ما يكون مبالغاً فيه كحكمنا على ما نحب أو أكثر. لكن، هل يمكن أن يكون نجاح هذه الأفلام فقط بسبب شخص عادل إمام؟ أم أن هناك دوافع أخرى مثل حبنا لمشاهِد الحركة والمطارادات، والطريقة التي تُصنع بها؟