غالبًا صادفنا أحد شِقَي عنوان المساهمة في بداية مُشاهدتنا لأحد الأفلام، هذا في حالة كنّا غير صبورين على تتر الفيلم (والذي غالبًا ما يكون جزءًا منه بالمناسبة) ، وإلا فإننا نرى أحد الشقين مع كل فيلم تقريبًا. لكن ما المغزى وراء هذه الجُمل، هل هي مجرد حشو للتتر، أم مقدمة استعراضيّة، أم جملة للتهرّب من بعض المصاعب الأخلاقيّة والتعاملات الماديّة؟ لا يهم الآن، المهم أن نسلط سويًّا الضوء على هذه التقسيمة الثنائية للأعمال السينمائيّة (والتي نادرًا ما يُلتفت إليها)، محاولين إبراز بعض جماليات كل نوع.

اشتهر مسلسل شرلوك هولمز اشتهارًا كبيرًا، ونَصَعَ نجمُ بطله بيندكت كامبرباتش (مجسد شخصية شرلوك) بسببه، مما دفع المخرجين والمنتجين في الفترة التالية لاختيار أدوار هامةً له، أبرزها اختيار شركة مارفل إياه لتجسيد أحد شخصياتها، وهذا الاختيار مُنتناهٍ في المعقولية كونه عملًا خياليًا مثل مسلسل شرلوك. لكن ما يستحق التفكير أنه في هذا العام فقط قدم بيندكت دورين مختلفين رئيسيين في فيلمي الموريتاني والساعي، وهما تجسيدان لقصص واقعيّة من حقب زمنية مختلفة، فلماذا يا ترى؟ لماذا بعد كل هذا النجاح لمدة عشر سنوات في تجسيد الشخصيات الخياليّة يختار المخرجون أو البطل نفسه تجسيد دور واقعي؟ هل يُعْقَلُ أن تكون مجرد مصادفة؟

الأعمال الواقعية واقعٌ نحسبُه خيالًا:

ربما آصل ما في الأفلام المقتبسة من الواقع أنها تُدهِشنا بأن تجارُبنا محدودة جدًا، وأن قناعاتنا حول الأرض والوجود هشة وتحتاج إلى الكثير من المراجعة والتساؤل. فمجرد اكتشافنا لطبيعة تعامل بشريٍّ مثلنا مع مصاعب حياته بطريقة مغايرة لما اعتدنا عليه، تفتح لنا الكثير والكثير من الأبواب في معاشنا. سيقول البعض: قد يعبث المخرج أو الكاتب بالقصة الحقيقية ويحورها لتلائم أغراضه، فأقول: وما العيب في ذلك؟ فحتى وإن تلاعب سيظل محكومًا بالإطار الموضوعي طبيعة العمل الواقعي، والذي ليس مرنًا في غالب القصص.

بعض النقاد يرون أن الأعمال الواقعية غرضها مجرد ثقيف وإعلام المُشاهد، وأنا لا أتفق مع هذا؛ فماذا عنكم؟

الأعمال الخياليّة واقعٌ غائب:

على عكس نظيرتها الواقعية، تأتي هذه الأعمال بقالبٍ ذاتيٍّ غاية في المرونة، يسمح للكاتب والمخرج على السواء بإدخال كل ما يحلو لهما من الفلسفات والقناعات والأفكار، وهذه برأيي لا تقتل الواقعيّة بل تبنيها؛ فبعض الخيال وَمْضَةٌ من الغيب الواقعيّ.

على كلٍّ لا زال هناك الكثير والكثير من الجماليات لكننا لسنا بصدد التدوين؛ فشاركوني بما خرجتم به من مشاهداتكم. وهل تختارون أفلامكم بناءً على هذه التقسيمة، أم لا تُعيرونَها انتباهًا؟