فى تصريح مرعب لتشاك بولانيك مؤلف الفيلم الشهير Fight Club بطولة براد بيت و ادوارد نورتون وإخراج ديفيد فينشر قال فيه أن الكثير من الأشخاص أرسلوا إليه رسائل تفيد بأنهم أقاموا ناديا للقتال على غرار ما تم بالفيلم وذلك فى مدن متفرقة بالعالم !

في أبريل عام ١٩٩٩م، قام إريك هاريس وديلان كليبولد بإطلاق النار بطريقة هستيرية في مدرسة ثانوية في مدينة ليتلتون، بولاية كولورادو الامريكية ؛ مما أسفر عن مقتل ١٣ شخصًا وإصابة ٢١ آخرين بجراح قبل أن يُطلقا النار على نفسيهما. إلا أنه اتضح بعد ذلك تأثرهم بفيلم " قتلة بالفطرة Natural Born Killers " وتأكد ذلك من خلال ما دوناه فى مذكرتيهما أو سجلاه على شرائط فيديو.

"هل دفعت الأفلام هذين المراهقين لارتكاب ذلك العمل الهستيري البشع؟ أم أن أفلام العنف مجرد انعكاس للظروف الثقافية القائمة بالفعل؟ أم أن الإجابة تقع في نقطة ما بين هذا وذاك؟"

سؤال يطرحه دكتورSkip Dine فى كتابه Psychology at the Movies والمتاح منه نسخة مترجمة من إصدار مؤسسة هنداوي.

الآراء والإجابات كانت دايما مختلفة، وأظن هتستمر تختلف ارآءنا حول الإجابة عن هذا السؤال، ولكن الأكيد أن أهمية الإجابة من أهمية ارتباطها بالإنسان ووجوده،وإن الإجابة الأقرب للصحة مرتبطة بإدراك أنه سؤال عن حياتنا قبل ما يكون عن السينما، الإجابة المبنية فقط على مجرد البحث فى تبرئة السينما أو اتهامها أظنها هتكون غير مجدية وقاصرة.

ارتباط السينما بالواقع :

هل تعكس الأفلام الظروف الثقافية للمجتمع أو بمعنى أوضح هل تعكس السينما الواقع الذى تتأثر به؟

يصعب تخيل السينما بدون أحداث التاريخ، حروب القرن الماضى كمثال وكمية الأفلام اللى مازال يتم إنتاجها حتى اليوم عن الحروب العالمية وأثرها وقصص المعاناة الموجودة فيها، أو لمجرد رصد واقع يخص هذه الفترة ليوضح للمُشاهد معنى أويناقش قضية من خلال قصة.

السينما بتتطور مع تطور التاريخ الإنسانى وترتبط به ارتباط لا يمكن إنكاره وهى جزء من تاريخ العالم فى المئة سنة الأخيرة وتتأثر بكل أحداث البشرية، السينما تتأثر بمعاناة الإنسان عموما وانتصاراته، مشاكله وأفراحه ، أسئلته الصعبة وتحدياته، خيره وشره، مادة إنسانية مهمة يصعب حجبها عن فن زي السينما، بل ولها نكهة خاصة تختلف من مجتمع لآخر حسب ثقافات المجتمع ومعتقداته وتطور تاريخه وبالتالى فى التعبير عنه.

كمثال لأفلام تأثرت بالواقع فيلم freedom writers إنتاج عام 2007 يحكى الفيلم عن أحداث حقيقية حدثت فى الولايات المتحدة وهو ترجمة لكتاب أصدرته المعلمة Erin Gruwell بالاشتراك مع طلابها و الفيلم مأخوذ عن أحداث عنف وتمييز حدثت بالفعل وتم نقلها إلى شاشة السينما .

وأيضا أفلام زى The Intouchables - Hacksaw Ridge وغيرها كتير أمثلة لأفلام مأخوذة عن أحداث واقعية. وكذلك أفلام السيرة الذاتية لمشاهير وهى كثيرة أو أفلام مأخوذة عن قصص حقيقية لكن لمجهولين، فيلم أسماء مثلا، أو نوع آخر من الأفلام يناقش قضية واقعية ولكن ربما بقصة تفاصيلها غير حقيقية من خيال المؤلف كحال غالبية حكايات الأفلام الواقعية.

الخلاصة إن السينما غير معزولة عن الواقع إنما تتأثر به وتعبرعنه طبعا حسب منظور صُناع العمل الكاتب والمخرج، وكلما كان انتماءهم إلى الإنسان -فى التعبيرعن واقعه- خارج حدود الأعراق والانتماءات والأجناس وقبل الربح التجارى، كلما كان الفيلم أكثر تلامسا وتعبيرا عن القضية محل التناول.

ما بين التعبيرعن الواقع والإساءه له :

"فيلم مسئ للواقع / للمجتمع" عبارة تتردد كثيرا ومألوفة على مسامعنا، ولكن ماذا يقصد أصحاب هذا التعبير؟ هنا ويظهر الجدل الشهير فيما يخص أسلوب التعبيرعن الواقع، وايه اللى يحدد مدى مطابقة الفيلم للواقع من عدمه ؟ وهل الفيلم يعكس الواقع أم يخلق واقع جديد ؟ مباراة جدلية شهيرة ودائمة بين مجموعتين الأولى لا تؤمن بتأثير الواقع على الأفلام بل تؤمن بالأكثر أن الأفلام هى التى تُشكل الواقع في إشارة لتأثيرها السلبي على المجتمع، وهم مجموعة المطالبين بمنع بعض الأفلام والمسلسلات التى يطلقون عليها "مسيئة" من خلال سن قوانين لحماية أخلاق الناس من الأثر"المفسد" –على حد قولهم- لهذه الأفلام على المجتمع كما حدث بالفعل منذ سنوات قريبة حينما تم عمل مقترح لسن قانون لمنع "خدش الحياء العام" -كما أطلق عليه- فى مجلس الشعب بمصر، ومبرر أصحاب هذا الاتجاه هو ضرورة القضاء على العمل الفنى الردئ ومنعه قبل انتشاره لتطهير الواقع منه ودائما ما يتلخص تقييم العمل الفنى -بالنسبة لهم - فى التركيز على الشكل فقط وليس المضمون، ونوع آخر من أنصار نفس المجموعة لكن لا ينادى بالمنع إنما يكتفى بإدانة هذه الأفلام واتهامها بالإساءة للواقع دون التعبيرعنه و بإفساد الذوق العام وخلق واقع فاسد لم يكن موجودا! بمعنى تحريض المتلقى على فعل شئ مسيء أو نشر أخلاق سيئة. وعادة ما يُنادي أنصار هذا الاتجاه بضرورة تجميل صورة المجتمع كواجب وطنى أو دينى! من باب اننا كويسين وكله تمام، مع ترديد كلام من نوع "ماينفعش الفن والأفلام تسئ للمجتمع بعرض سلبياته، عايزين نحافظ على أخلاق وقيم مجتمعنا، العمل دا إساءة لسمعة البلد ولا يعبر عن الواقع، الفن يجب أن يكون ويكون..... إلخ. والمجموعة بنوعيها تضم محاميين، إعلاميين وأيضا فنانيين، اتجاهها هو تحويل السينما عن سياق التعبير الحر إلى إنها تعبر وتخرج من رحم الصوت الواحد الفاهم كل الأمور، وليس من تفاعل الناس وبعضهم وأفكارهم وثقافاتهم، وليس من محاولة الإنسان التعبيرعن صوته وترك الاختيار والحكم للجمهور، وليس من محاولات البحث عن الحقيقة كحال أفلام السينما الواقعية على طريقة مدرسة عاطف الطيب وصلاح أبوسيف واللى كشفت واقع ملئ بالسلبيات والفساد، إنما فقط تنحصر رغبتهم فى سينما تخرج من منطلق قوالب مصنوعة من المفروضات والتقاليد والأعراف والأخلاق "الشكلية"، ليس من منطلق البعد الإنسانى وقضاياه، وفي واحدة من المرات ظهر الإعلامى تامر أمين على شاشة برنامجه يدين عمل فنى ما لأنه يسئ إلينا كمصريين وعرب و أن "احنا ماينفعش نظهر بمظهرغير لائق والعمل بيشوه قيم مجتمعنا"، بالتأكيد ليست الإدانة أو النقد هى الأزمة فى حد ذاتها إنما أسبابها ودوافعها والتى تتلخص فقط فى أن العمل السئ هو الذى يعرض صورة سيئة عن المجتمع! وكأن المجتمع مقدس ممنوع الاقتراب منه، ليأتى السؤال، وماذا لو ما تم طرحه بالعمل الفني يحاكي الواقع ويعبر عنه بالفعل؟ بالتأكيد سيجد طريقه للناس لأنه يعبرعن واقعهم برغم حالة الإلحاح المستمرة فى توجيه الفن لتجميل وتزييف صورة المجتمع على حساب واقعية الفيلم.

وهكذا تتضح الفروق بين المجموعتين..

مجموعة دائما ما تنادى بنشر الإيجابيات فقط من خلال النماذج المُقدمه فى العمل الفنى، على سبيل المثال من نوعية عدم إظهار رجل مسؤول أو يعتبره المجتمع "قدوة" فى أماكن أو مواقف غير أخلاقية بل وحتى المواطن العادى يجب أن يظهر بصورإيجابية وبالمناسبة دا كلام واحد من الفنانين، وينحصر تقييمهم فى وضع تفاصيل ومعايير شكلية فقط للأخلاق والتى تأخذ حجم أكبر من التركيزعلى قضية الفيلم نفسه ومدى قدرة القصة والبلوت وأبعاد كل شخصية والإخراج والحوار وكافة الأدوات الفنية على مناقشة ومعالجة جوهر المشكلة المطروحة فعلا فى إطار قالب العمل الفني لتوصيل المعنى.

وكتوضيح عملي للجدل الحادث بين المجموعتين فيما يخص ما هو مقياس الفيلم الجيد من الردئ من زاوية تناوله للواقع، من الممكن الحديث كمثال عن أفلام البلطجة في مصر

نجد أن..

المجموعة الأولى ترفض تناول محمد رمضان فى أفلامه عن البلطجة ولكن من زاوية هوسها فى التركيز على الأدوات والشكل الخارجى كما أشرنا سابقا، فتطالب بمنع الفيلم بحجة أثره على الذوق العام! وهذا هو المقصود – فى رأيهم- بخلق واقع يسئ ويفسد المجتمع مع الاستشهاد بمشهد لمسكة مطوة، قَصة شعر، نوع ملابس ،ألفاظ، طريقة كلام وغيره على حساب الأهم وهو قصة الفيلم وموضوعه، وبالتالى النتيجة شجب وإدانة ومطالبة بالعقوبة والمنع! وبالمناسبة حدث جدل على فيلم "كابوريا" وقت عرضه من ناحية تأثيره على الشباب فى انتشار قَصة شعر أحمد زكى فى الفيلم وتسميتها على نفس اسم الفيلم، مما سبب استياء ونقد من أصحاب المدرسة الأولى وفعلا الحدث دا يعتبر واحد من تأثيرات الفيلم لكنه تأثير فى الشكل اللى ممكن يتم عدم قبوله كتفضيل شخصي إنما ليس كحجه للنقد، بينما الاختلاف أو الاتفاق -على طريقة المدرسة الثانية- يكون لأسباب فنية وموضوعية وترك الاختيار للمشاهد يعنى دور تنويرى ليس أكثر.. فتجد فى نقدهم شرح للفرق بين تناول أفلام أحمد زكى عن البلطجة وإلى أى مدى استطاعت أن تعكس واقع، وبين أفلام محمد رمضان التى تم انتاجها بهدف تجارى فقط من خلال إظهار مفاتن البلطجى كبطل أوحد فى عمل فردى على حساب بقية الممثلين وأدوارهم التى تفتقد للتأثير فى الأحداث، واللعب على تيمة الشخص المظلوم والاعتماد على الفجاجه أو حشو مشاهد البلطجة لمجرد بروزة البلطجى دون أن تخدم بلوت القصة. أفلام لا تحتوى على لغة إنسانية أو فنية إنما تجارية بحتة وفقط، وهذا هو الفارق بينها وبين أعمال نجيب محفوظ التى استطاعت نقل صورة البلطجة من الشارع إلينا مباشرة مثل الحرافيش والجوع والتوت والنبوت، تلك الأعمال التى كان لها بعد إنسانى خلال طرحها لموضوع البلطجة. كلها أسباب تشرح لماذا أفلام رمضان هدفها تجارى من خلال استخدام الإثارة، بينما أفلام أحمد زكى أو حتى كمثال فيلم إبراهيم الأبيض قصص تعبرعن واقع ، فيها فن وصناعة وتجارة الثلاثى الأساسى لعمل فيلم مكتمل.

ما سبق هو نموذج لتقييم فني، نفس ذات الرفض ولكن لأسباب وقناعات مختلفة، بتحليل وموضوعية تساعدك على الاختيار والتمييز بين الفيلم الذى يجعلك تفكر وتطرح الأسئلة وتتعاطف لصالح المعنى بعيدا عن الهوس الدائم بالشكل وبين فيلم آخر عكس ذلك، وهذا فى رأيي هو المقياس الذى يميز بين العمل الجيد والردئ.

هل الحل فى المنع ؟

لذلك فالاتجاه المختلف على السيجارة والسكينة والسلاح الأبيض فقط بسبب أنها تدعو للفسق والرزيلة، ثبت عدم صحته وأن ليس هذا هو سبب فساد المجتمع، ولا المنع هو الأداة التى ستعالج المجتمع من مشاكله الأخلاقية بل ولن تعالج الفساد الإنساني من أصله، المنع ليس حلا لأن جمهور هذا النوع سيبحث عن وسيلة أخرى، بل الأولى من المنع أظن هو طرح السؤال اللى هيسأله أى استاذ أو باحث فى علم الاجتماع "لماذا يوجد جمهور كبير لهذا النوع من الأفلام؟" ويبقى السؤال الأهم الكاشف هل هذه الأفلام هي التى ساهمت فى نشر البلطجة، أو بمعنى آخر يا ترى لو تم منع هذه الأفلام سوف ينتهى العنف من المجتمع؟ لا. لأن ببساطة العنف والبلطجة موجودة من قبل اختراع السينما على مر التاريخ لكن مع اختلاف درجتها وشكلها.

أما من ينادى بفكرة المنع، يريد التعامل مع الجمهور كابن من أبناءه يسمع الصح وينفذه ويبعد عن الغلط ليخلق منه المواطن الملتزم أو أن يعاملك كأب أو زوج صاحب كلمة عليك كمُشاهد و نحن–المجتمع- تحت عصمته.

وحتى إذا قبلنا بهذا المنظور الأبوى فى التعامل مع ما يُقدم لنا، فالأب فى أبوته الصحية يسعى لتطوير قدرة ابناءه على الاختيار بين الجيد والردئ بأنفسهم، فيختار بنفسه بعد التمييز، وهذا هو المطلوب تربية فرد لديه القدرة على الاختيار. ذلك فيما يخص تربية الأبناء فمابالك اتجاه يريد أن يحكم المجتمع كله بوصاية لا تنفعه أو تليق به، ولأجل نفس هذا السبب التعليم فى بعض مجتمعاتنا أصبح كلمة تدعو للاشمئزاز لانحصاره فى مجموعة توجيهات ومعلومات جاهزة ودروس مستفادة لحفظها فقط.

مادامت هذه الأفلام ليست مسؤولة عن وجود العنف، فكيف يمكن تفسير الحوادث التى حدثت كمُحاكاة من الجناة لأفلام عنف شاهدوها قبلا والتى تم الإشارة إليها فى بداية حديثنا؟

-        فى دراسة تمت بواحدة من الجامعات الأمريكية

https://www.nbcnews.com/bet...

تم عمل أشعة مقطعية على المخ لعينة متطوعة من مشاهدى الأفلام العنيفة وكانت نتيجة التجربة أن مشاهدة فيلم عنيف لا يمكن أن يقود شخص للعنف ما لم يكن هذا الشخص عنده استعداد شخصى لممارسة العنف، الفيلم يمكن أن يحرضه أكثر، لكن لابد أن يكون هو ميّال للعنف فى الأساس أولا أو عنده استعداد لممارسة العنف من قبل المشاهدة.. و"استعداد" هى كلمة السر التى من خلالها نستطيع القول أن تأثير الفيلم يقتصرعلى إمداد المشاهد وإلهامه بأفكار لأساليب عنف جديدة، ولو لم يجد الشخص فيلما سيبحث خارج السينما عن أدوات تساعده على ممارسة العنف. وهذا يفسر كيف تمت الحوادث السابق ذكرها فى بداية المقال، حيث أن الدافع والاستعداد للغضب والعنف كان موجود قبلا وله أساس عند الشخص ولم تخلقه تلك الأفلام فجأة من العدم. وهذا ما أكده البحث :

-  " قال الباحثون أن التأثير قد يكون لتعزيز العدوانية الموجودة بالفعل: "في الوقت المناسب، عندما يصبحون عنيفين، قد يتصرفون بناءً على بعض الأفكار التي رأوها، قد توفر لهم الأفلام طرقًا للقتل أو العدوان"
  •     أما بالنسبة لتأثيرها على الأطفال

فى كتاب Psychology at the Movies المشار إليه سابقا يذكر الكاتب إجراء تجربة باسم "اللعبة/العروسة البلاستيكية بوبو" والتى توصل العالم باندورا بعد إجراءها إلى أن مشاهدة أفلام العنف لا يمكنها بمفردها جعل الناس ميَّالِين للعنف وأن هناك عوامل عدة هى التى تؤثر على سلوك الطفل، وأن السلوك العدوانى للأطفال محل الدراسة بدأ سريعا بمجرد مشاهدة الفيلم فقام كل طفل بضرب العروسة بوبو مثله مثل الأطفال فى المجموعة التى لم تشاهد الفيلم ولكن ربما بشكل أكثر عنفا، وكان هذا السلوك قصيرالمدى بل ومحاكاة سريعة ومباشرة لما شاهدوه لمجرد التقليد بدون وعى وهذا لا يمكن وصفه عنفا بشكل قاطع وكامل. كما أشير الى أن السينما واحدة من أجزاء كثيرة فى حياة الطفل يقوم بتقليدها والتى تكون أكثر احتكاكا بالطفل فى حياته الواقعية مثل سلوك الوالدين.

-        وأيضا تم إجراء بحث فى المكتب الأمريكى الطبى بخصوص تأثير العنف الموجود بالإعلام بعنوان

“The Impact of Electronic Media Violence: Scientific Theory and Research”.

https://www.ncbi.nlm.nih.go...

جاء فيه "تراكمت الأدلة البحثية على مدى نصف القرن الماضي على أن تعرض الطفل لمشاهد عنيفة فى الأفلام ومؤخرًا في ألعاب الفيديو يزيد من خطر السلوك العنيف للطفل تمامًا كما يزيد نشأته في بيئة مليئة بالعنف الفعلى من مخاطر السلوك العنيف."
وأيضا "يُنظر إلى تأثير وسائل الإعلام العنيفة بشكل أفضل على أنه أحد العوامل المحتملة العديدة التي تؤثر على مخاطر العنف والعدوان. لا يوجد باحث حسن السمعة يقترح أن العنف الإعلامي هو "سبب" السلوك العنيف."

خارج حدود "شيطان" السينما :

لذلك وبعد ما تم طرحه المشكلة هنا تكمن فى التعامل مع الفن على أنه مصدر كل الموبيقات وعنف الإنسان وفساده، فيخرج الموضوع عن إطار السينما إلى مشكلة الإنسان التى تتلخص فى رغبته القديمة الجديدة فى تبرير نفسه ووجود شئ أو ظرف ما يعلق عليه كل فساده ومشاكله ويحوله لشيطان هو السبب فى كل شئ ومصدر كل شر! وكلما تم وضع سبب خارجي "نعلق عليه" الانحلال الأخلاقى للمجتمع أو تدهورنا الإنسانى كلما أوهمنا الناس بما ليس واقع. وهنا فى سياق موضوعنا الشيطان هو السينما، فتكون النتيجة تعليق مشاكلنا وأمراضنا على هذا الشيطان الأكبر وتحميل مسؤولية الواقع المُذرى على أكتاف السينما وكأن أفراد مجتمعاتنا مفعول بها دائما أو مسلوبة الإرادة، وفى هذا السياق أظن أنه لو لم تُخترع السينما كان الإنسان سيبحث عن شئ آخر يُلقي عليه اللوم كسبب لمشاكله لتبرير نفسه، وبالتالى تتركز رغبة مجتمع "مُشيطنو السينما" فى تجاهل المضمون وفى تطهير نفسه من الخارج دون فحص أو مواجهة لواقع مشاكله الحقيقية، فى واحد من اللقاءات للفنان محمد صبحي قال "ليه مابنقدمش نماذج كويسة باستمرار ومعاها نقدم صورة ايجابية؟، إلى جانب أنه كتير بيتكلم عن ضرورة تقديم حلول فى العمل الفنى" ،برغم أن محمد صبحى له أعمال مهمة تنافى ما ينادى به من حيث وجوب تقديم صورة إيجابية ووجوب تقديم الحلول! ولكن ماذا لو تم ذلك كيف ستقوم السينما الواقعية بدورها.

تأثير السينما :

جاء فى الكتاب المشار إليه سابقا :" الإعلام مرآة اجتماعية لا تعكس فقط السلوكيات الاجتماعية، إنما هناك دلائل قوية تشير إلى أن الإعلام بوسعه التأثير على تلك السلوكيات".

هل السينما تصنع أو تخلق واقع فاسد؟ طبعا هذا السؤال يفترض ضمنيا أن الواقع "نظيف" وبديهي هذا افتراض خاطئ، السينما إذن تتأثر بالواقع فتؤثر وتغير فيه ولا تخلق واقع من عدم. وهنا فى رأيي اللغة مهمة فى التفرقة بين الكلمتين "تأثير" و "خلق" ، لأنها تعبرعن حالة ومعنى كل كلمة. التأثير لا يأتى من العدم على عكس الخلق، فتأثير العمل الفنى مشروط بالاعتماد أولا وقبل أى شئ -كما أشرنا- على مدى وجود استعداد لدى المتلقى أو المجتمع للتأثر والتغيير سواء سلبا أو إيجابا، نفعا أو ضررا، وبالتأكيد تؤثر إيجابا فيمن لديه استعداد وتقبُّل لرؤية حقيقة واقع قضية الفيلم، والشرط الآخر للتأثير يخص العمل الفنى نفسه فى كشف "بلاوي وفساد" الأفراد والمجتمعات وهو أهم دور أصلا للسينما الواقعية أن تكشف أعماق واقع ما من خلال الفيلم فتصنع تأثيرا، وكلما كان الكشف أقوى فى محاكاة الواقع أو القضية المطروحة كلما كان التأثير أقوى وأبقى فى مداه وقدرته ليثير لدى المشاهد الدافع للتغيير أو أخذ موقف مختلف أو تغيير قناعات أو فى أبسطها إعادة تشغيل جهاز الإحساس والتفاعل لديه. كشف وتعرية ومواجهة للواقع سواء طرحت حلول أو اكتفت بالكشف والإنذار للتأثير فى وعينا كمجتمع بعيد عن الرسائل الوعظية التى لا تناسب دورها.

وكأمثلة لتأثير بعض أفلام السينما المصرية على الواقع لدرجة التغيير، أفلام مثل "أريد حلا" و "جعلونى مجرما" واللى بسببها تغيرت قوانين للأفضل، وكمثال قريب "فيلم 678" كان هو السبب فى زيادة وتشديد عقوبات قانون التحرش وجعل عقوبة المتحرش تصل إلى 3 سنوات.

وغيرها من الأمثلة التى تثبت أن للسينما تأثير قد يصل إلى درجة تغيير الواقع وليس خلقه من جديد.