لا يخفى علينا كل ما تبذله الشركات من أجل جلب المزيد من المستهلكين، فقراراتنا في الشراء هي التي تحدد نسبة نجاح هذه الشركات في السوق. فالمستهلك، هو مركز اهتمام الشركات، ورأيه مهم، لذا نجد أن الشركات تقوم يحملات لجس نبض المستهلك، وذلك عن طريق إستبيانات وطرح أسئلة بخصوص المنتوج، ولا شك أنك صادفت كما هائلا من الاستبيانات في مواقع مختلفة على الإنترنت، ووجدت العديد منها على بريدك الالكتروني.

لكن المفارقة هنا التي تم الوصول إليها، هي أنه في بعض الأحيان الاستراتيجيات التسويقية التي يتم اعتمادها بناء على الاستبيانات لا تنجح على أرض الواقع، فربما فضل المستهلك منتوجا آخر على أرض الواقع. لتظل اختيارات العميل الحقيقية في صندوقه الأسود.

طيب، ما هو الصندوق الاسود للعميل؟

هو العقل اللاواعي، فطريقة الاستبيانات المذكورة تعتمد على الإجابة الواعية للمستهلك، لكننا بشر ولسنا عقلانيين بل نحن خليط من العقلانية واللاعقلانية المتمثلة في مشاعرنا وأحاسيسنا والتي تتحكم في جزء كبير من سلوكنا. وهذا ما عبر عنه بالصندوق الاسود.

حسنا كيف يمكن اكتشاف الصندوق الاسود للعميل؟

هذا الاسكتشاف هو مهمة التسويق العصبي neuromarketing ، حيث يجمع هذا العلم بين اكتشافات علم الأعصاب الحديث ويوظفها من أجل التسويق. يعتمد هذا العلم، على إجراء أبحاث في بيئات مصممة مسبقا، يوضع فيها المستهلك، ويتم وضعها أمام اختيارات ويجب عليه اتخاذ القرار، وعلى عكس الاستبيانات لا يتم طرح أي سؤال عن قرار المستهلك، بل يتم رصد التغيرات التي تطرأ على دماغه وأعصابه وجسمه أثناء اختياره للمنتج. حيث يتم استعمال تقنية الرنين المغناطيسي لمراقبة نشاطه الدماغي كما تتم مراقبة توسع حدقة العين، سرعة نبضات القلب، مستوى التعرق. 

من بين التجارب في هذا المجال، نذكر تجربتين:

  • الأولى عن حساسية المستهلك لمقاطع الفيديو بالمقارنة مع المقاطع الصوتية، فلاشك أن سؤلنا عن أيهما نفضل، هل إعلانات مقاطع الفيديو أم المقاطع الصوتية فقط، فإننا سنجيب مقاطع الفيديو، لكن تجارب التسويق العصبي، تخبرنا بأن الأمر ليس صحيحا تماما وانه يختلف من بيئة لأخرى، حيث تم عرض بعض مقاطع الفيديو وتمت مراقبة نشاط دماغ المستهلكين ومؤشراتهم البيولوجية، وبعدها تم عرض نفس محتوى رسالة الفيديو في مقطع صوتي، وقد لوحظ أن استجابة المستهلكين كانت أكبر مع المقطع الصوتي، حيث لوحظ ارتفاع في نبضات القلب، تعرق على مستوى الجلد، ارتفاع درجة الحرارة على المستهلكين الخاضعين لهذه التجربة. من جهة أخرى، في مطعم يقدم أكلات عالمية، لوحظ أن جنسية الطبق المطلوب تتأثر بنوع الموسيقى في المطعم، فالمستهلك، يقبل على شراء أطباق فرنسية، إن كانت الموسيقى الفرنسية هي المسموعة في المطعم.
  • المثال الثاني، يتطرق لاتخاذ قرارات الشراء من المواقع الإلكترونية كل منا يعلم المخاطر المترتبة عن قرار الشراء من اختراق للحساب البنكي الشخصي أو سرق المعلومات الشخصية، وكلما كانت هذه المخاطر قوية، كلما كان عزفنا عن الشراء من الإنترنت.في هذه التجربة تم وضع المستهلكين في بيئتين، بيئة تقل فيها المخاطر، بحيث تم وضعهم في موقع إلكتروني لا يطلب الكثير من المعلومات الشخصية كما أن سعر الشراء فيه منخفض، مما يعني مخاطر أقل، ووجد أن قرار الشراء من هذا الموقع، يعتمد على العقلانية والعقل الواعي. أما البيئة الثانية، فهي بيئة عالية المخاطر، فكان الشراء من مواقع منتوجاته مرتفعة السعر، وتطلب بيانات شخصية عديدة، كالاسم والعنوان ورقم الهاتف، هنا لاتخاذ قرار الشراء اعتمد المستهلكون على اللاوعي، حيث كانت الالوان المستعملة في الموقع هي التي وجهتهم نحو اتخاذ قرار الشراء، فمثلا المواقع التي كان اللون الاحمر غالبا على تصميمها لم تكن مشجعة للشراء.

 أجد أن التسويق العصبي آلية فعالة للشركات لكنها في نفس الوقت تشعرني كمستهلك بأنه يتم التلاعب بمشاعري، وعقلي اللاوعي لأتخذ قرارات تم دفعي لها مسبقا باستراتيجيات مدروسة.

السؤال الذي أطرحه على نفسي، كيف يمكننا كمستهلكين حماية أنفسنا من فخ الشراء اللاواعي، وكيف يمكننا اتخاذ قرارات شخصية في الشراء تكون أكثر وعيا؟