اتخاذ القرارات هو أحد أكثر الألغاز تعقيدًا في حياة الإنسان. رغم بساطة الكلمة، إلا أن وراء كل قرار صغير أو كبير، شبكة معقدة من الأفكار، المشاعر، القيم، والخبرات. لماذا نختار شيئًا دون الآخر؟ هل نحن أحرار حقًا في قراراتنا، أم أنها نتيجة خفية لماضينا وتأثير بيئتنا؟

في كثير من الأحيان، نظن أن اتخاذ القرار هو فعل منطقي بحت، يعتمد على تحليل المعطيات وتقييم النتائج. لكن الحقيقة أن العاطفة تلعب دورًا كبيرًا في توجيه بوصلتنا. قد نختار وظيفة معينة لأننا نشعر بالراحة في مكانها، أو نرفض عرضًا مغريًا لأن قلوبنا لم ترتح له. وهنا يكمن اللغز: كيف تتداخل العاطفة مع المنطق لتشكل قرارًا يبدو في ظاهره عقلانيًا، لكنه في جوهره شخصي جدًا؟

القرارات أيضًا لا تُتخذ في الفراغ، بل تتأثر بثقافتنا، تربيتنا، مخاوفنا، وحتى ضغوط المجتمع. أحيانًا نتصور أننا قررنا بحرية، بينما الحقيقة أننا فقط اخترنا ما هو “متوقع” منا. كيف نعرف إذًا أن القرار نابع منّا فعلًا، لا من ظلّ من حولنا؟

وقد يكون أعقد ما في اتخاذ القرارات، هو أننا لا نعرف النتيجة مسبقًا. نحن نقرر ونغامر. هذا ما يجعل كل قرار حكاية مصير، ورحلة غير مضمونة. فنحن نتخذ قراراتنا بناءً على ما نعرفه الآن، لكن نعيش نتائجها في وقت لاحق، وربما في ظروف مختلفة تمامًا.

لغز اتخاذ القرارات لا يكمن فقط في “ماذا نختار؟” بل في “لماذا اخترنا؟” و”كيف نعيش بعد القرار؟”. هو مزيج من العلم والفن، من المنطق والحدس، من الحذر والجرأة.

وفي النهاية، ربما لا توجد قرارات صحيحة تمامًا أو خاطئة تمامًا، بل هناك فقط قرارات تصنعنا كما نصنعها.

#أثر