في أوقات كثيرة، لا نعرف كيف نجلس مع أنفسنا دون أن نفعل شيئًا. نشعر بأن لحظات الفراغ تُربكنا، وتدفعنا للبحث عن أي مهمة، أي مسؤولية، أي شاغل جديد — فقط لنظل في حالة حركة مستمرة.
قد نُقنع أنفسنا بأننا “منتجون” أو “نستثمر وقتنا”، لكن الواقع النفسي أعمق من ذلك بكثير. فبحسب نظرية "الانشغال كآلية دفاعية" في علم النفس التحليلي، هذا السلوك لا يعكس دومًا حبًا للحياة أو رغبة في الإنجاز، بل قد يكون وسيلة للهروب من الداخل، من مشاعر لا نريد مواجهتها: الوحدة، القلق، الندم، أو حتى الحزن المزمن.
عقولنا تبرمجت على أن الانشغال يُشبه الطمأنينة. فعندما نكون مشغولين، لا نملك وقتًا للتفكير، ولا نستدعي الأسئلة المؤجلة أو الأجوبة المرهقة. ولكن خلف كل “قائمة مهام” مكتظة، قد يختبئ قلب يحاول أن يصمت كي لا يسمع صوته الحقيقي.
ما يجعل هذه الآلية الدفاعية خطيرة، هو أنها تأتي غالبًا في ثوب الفضيلة. فمن يمتدحك على نشاطك المستمر، لا يرى أنك ربما لا تعرف كيف تكون ساكنًا دون أن تنهار. تمامًا كما أن من يراك تكدّ ليل نهار، قد لا يعلم أنك تخاف أن يجلسك الفراغ وجهًا لوجه مع نفسك.
ليست كل حركة هروبًا، لكن كثرتها قد تكون علامة.
وليست كل راحة استسلامًا، بل أحيانًا هي الفعل الأكثر شجاعة.
فمن تجاربكم، ماذا كانت المشاعر التي كنتم تهربون منها؟
التعليقات