في عالم النفس البشرية كثيرا ما نتوه في التفسيرات؛ ومحاولة الفهم للفعل ورد الغعل على حد سواء.

لكن أغرب ما قرأت في التعامل مع بعض الاضطرابات السلوكية هو المبالغة في السلوك المعاكس كطريقة لإجبار النفس البشرية على وجود الخيارات المختلفة.

بدأ الأمر أثناء استشارة أخصائية تربوية بخصوص حالة طفلة تعاني وسواس النظام؛ أو ما يمكن تعريفه بحالة النظام والولع به حد الهوس، مما قد يتوقف معه أي نشاطات إنسانية أخرى!

تعاني هذه الطفلة من توقف الدنيا إذا وجدت قلما في غير مكانه؛ أو كتابا في وضع غير متساوٍ مع الكتب المجاورة؛ أو حتى حذاءا مصطفا بطريقة مقلوبة!!!!! لا يمكنها أن تلعب بلعبها لأنها ستفسد تنظيمها؛ ولا تتسابق مع أصحابها لأنهم يخرجون عن الصف ويتسببون في الفوضى.... وغيرها من أمور تنم عن هوسها بالنظام إلى حد مرضي.

الغريب هنا هو نصيحة الاخصائية التربوية؛ أذكر أنها قالت

"أي سلوك مبالغ فيه يبدأ علاجه بالمبالغة في السلوك المضاد حتى نصل إلى مرحلة التعادل ثم نبدأ في العودة للتوسط الطبيعي بين السلوكين المتضادين!"

كانت النصيحة تعني أن تملأ الأم المكان بالفوضى لعلاج الطفلة؛ واللعب معها بألعاب فوضوية طوال الوقت؛ وإذا اتجهت لتصحيح جزء من الفوضى تبالغ الأم في الضحك وكأنها تلعب وتقوم بإثارة الفوضى في مكان آخر، وهكذا.... حتى تعتاد الطفلة أنه لا مشكلة من وجود الفوضى جزئيا وقبل أن تنقلب الأمور للضد يمكن العودة تدريجيا للحد الطبيعي من النظام الذي يحتمل بعض الاعوجاج أو قلة الترتيب البسيطة!

بالرغم من اقتناعي التام بآراء هذه الأخصائية بصورة عامة إلا أنني توقفت كثيرا أمام هذا الحل؛ هل يمكن علاج المشكلة بالمبالغة في الاتجاه المضاد؟ وهل إذا كان شخص ما يعاني من المبالغة في الحفاظ على المواعيد مثلا يكون علاجه بالمبالغة في الاستهتار بها؟

أتفهم أن علينا الموازنة دائما في السلوكيات؛ وأن أي سلوك مهما بدا صحيحا يمكن أن ينقلب إلى شكل مرضي إذا تمت المبالغة فيه؛ لكن هل يكون الحل هنا في النقيض التام.

هل تتفق مع رأي الاخصائية أم لا؟ وإذا كنت تتفق فهل يمكن تطبيقه في كل أمور الحياة أم هناك قيود؟