ألم الحريق يتربع على عرش مملكة الآلام، هو الأشد والأقسي بينها كلها، تختلف مسبباته من لهيب النار أو الكي بالاحماض أوالقلويات أو الكهرباء ذات الجهد العالي أوغيرها، وكذلك يتدرج تأثيره فله ثلاثة درجات، أولى وثانية ثم ثالثة مقسمة على حسب مدي اختراقها للجلد، الأولى مؤلمة وكذلك بعض الثانية لكن الثالثة يكون الجلد قد انتهي فلا احساس ولا ألم.

يطول الحديث عن تفنيدات الحروق وتفاصيلها لكن ما الذي قد يرسلك الى العناية المركزة للحروق؟

أغلب الظن أنه حادث (عافانا الله أجمعين) ولكن أيعقل أن تكون أنت السبب؟

ذات يوم كانت لنا زيارة لعناية الحروق التابعة لمستشفي الجراحة كى نناظر بعض الحالات ونري كيف يتم التعامل معها، فذهبنا وما ان بدأنا صعود الدرج حتي شعرت أن مشاهد الصراخ والنحيب ونظرات الخوف والهلع كلها اجتمعت على حواسي كأني أعيشها بل وبدأت أشم رائحة الحريق وليست هذه مبالغة فالمكان كله تملأه رائحة الدخان وتلك الرائحة الناتجة عن احتراق الانسجة العضوية وخالجها القليل من رائحة نتنة نتيجة انتان قد اصاب النسيج المحترق لاحدي الحالات.

كانت الغرف في هذا اليوم مشغولة كلها تقريبا أتذكر منها رجل كان يعمل على خطوط الجهد العالى بشركة الكهرباء كان قد غفل عن بعض اجراءات السلامة فصعقه التيار، ورغم أنه أفلت من الموت الا أنه احترق وحريق الكهرباء (ذات الجهد العالى) من اخطر الانواع إذ يحترق الانسان من الداخل لكنه كان قد بدأ بالتعافي وكانت زوجته الى جواره تطعمه بيدها كانه صغيرها، وكذلك كان هناك طفل في الغرفة المجاورة لم يتجاوز الخامسة من عمره يجلس في حضن أمه ذراعه وبعض جسمه ملفوف بالشاش فقد انسكب عليه قدر ماءٍ مغلي، والغرفة الثالثة كانت لفتاة احترق منزلها فاصابتها النيران لكن لم تؤذها للدرجة الشديدة.

ثم الغرفة الرابعة وتلك التي تأملناها كثيرا نري اساتذتنا كيف يتعاملون فيها، أحدهم كان يقطع الجلد المحترق المتصلب حتي يعطي متنفسا للقفص الصدري ليتحرك والآخر كان يفرغ عبوات من سائل أو (چل) على النسيج الذي بلي عنه جلده ليوقف فقد الماء المتسارع من خلاله وكذلك ليمنع نمو البكتيريا عليه، والثالث كان يضبط الاجهزة المتصلة بالمحترق و كميات السوائل التي ستعطي اليه.

الغرفة الرابعة كانت لشاب في مقتبل العمر ضاقت به الدنيا فقرر الهروب منها لكنه اختار أسوء سبيل لمغادرتها، سكب البنزين على ملابسه وأضرم النار في نفسه، فتفحم منه الوجه والرأس ومقدم الصدر مع البطن وكذلك كل الظهر والذراعين كلاهما أجمعين.

كان مستلق على السرير غائب عن الدنيا فلا يعي ولا يحس، ضغط دمه متهاوٍ وضربات قلبه تتسارع وكأنها تستعجل الرحيل، لا حول له ولا قوة، كان هو مصدر الرائحة السيئة فليس يزال حديث الوصول للمشفي لم يمر عليه سوي سويعات.

ولما سالنا أتُرجَي حياتهُ؟

فكان الجواب......

فات الأوان فلقد عده الموت من أهله....