أتدري ما يُمثَّل خطرًا مماثلًا لطبّ الأعشاب والطبّ البديل؟ إنّه طب المستقبل المُشرق، طبّ الحياة الأبدية والاستمرارية الدائمة.

هذا الطبّ يروِّج دائمًا -لغرض التكسّب والربح- تلك الاعلانات التي تحضّ الناس على اجراء الفحوصات الدورية التي لا طائل منها: تحاليل دم، اشعة وسونار ومفراز ورنين، تحليل جينات إلى آخره.

هذه الأشياء تبدو علمية، لماذا لا يجب أن أفحص نفسي فأكتشف الأمراض مبكرًا؟

أولًا، عليك أن تفرِّق بين أمرين، بين الفحص إن كُنت معرّضًا للخطر، والفحص وأنت بكلّ خير وعافية.

الأوّل مثلًا إن كان أبوك قد مات بشكل مبكر، فتخشى على نفسك من الاعتلال التضخمي القلب، أو أُصيبت أمّك بسرطان الثدي، فتفحصين دوريًا للتحقّق، لا بأس بهذا، بل هو المطلوب.

أمّا من يفحص وليس فيه شيء، ولا عنده تاريخ مرضي أو سبب خطورة، إنما يقضي على نفسه بالاضطرابات النفسية، بل وأسوأ: احتمالية مضاعفات التدخلات الطبية.

تخيّل أنّك تريد أن تجري فحصًا بالرنين المغناطيسي لأجزاء جسمك، وأخترتُ الرنين إذ ليس فيه اشعاع. وتخيّل أنِّي قد وجدتُ شيئًا في جسمك، كتلة ما.

جسم الانسان مختلف، فيه الكثير من الانحناءات والتعرّجات، التجاويف والانتفاخات التي تختلف من شخص لآخر، إذا اختلف مظهرنا الخارجي، لماذا لا يختلف مظهرنا الداخلي؟

لنعد إلى الكتلة التي وجدناها في الرنين، هل هي حميدة أم خبيثة؟ لا ندري. لو وجدناها عندما كانت عندك أعراض، لحكمنا عليها أفضل. سنقول لك انتظر بعد ثلاث شهور وتعال نعيد فحصك.

بعد ثلاث شهور سنعيد الفحص، سنرى أنّها أكبر قليلًا أو على نفس الحال، لا يستطيع طبيب الأشعة أن يؤكد لك ذلك، والأشعة علم يعتمد على حكم الشخص، وعلى التاريخ المرضي الموجود أصلًا، فإذا لم يكن لك تاريخ مريض، كيف أحكم؟

سأقول لك لا أدري، تعال لنأخذ خزعة.

سأكون قد عرّضتك لمضاعفات الخزعة والعملية الجراحية ورقود المستشفى، لكن لا بأس، لنقل أنّ العملية مرّت بسلام.

أرسلناها لمختبر الأنسجة وأتّضح أنّها حميدة. أستحقَّت كل هذه المتاعب؟ كل هذه الشهور من القلق؟ كل هذه المضاعفات الممكنة من الفحوصات والجراحة؟

لنقل أنّه أتضح أنّ الكتلة خبيثة، وأنّه قد تم اكتشافها مبكرًا، أليست هذه الفحوصات مطلوبة إذن؟

فقط لأنّك قد وُفِّقت في اكتشاف مبكر لورم خبيث، لا يعني أن نعمّم هذه التجارب على بقية الناس، فكتلة خبيثة واحدة مكتشفة قد يكون مقابلها 100 كتلة حميدة عند بقية الأشخاص، 100 أحتمال لمضاعفات نتيجة التدخلات الجراحية للتعامل مع هذه الكتلة.

هناك حالات مدوّنة في الأدبيات الطبيّة، لأناس في تمام الصحّة، قد خضعوا إلى عمليات جراحية معقدة فقط لأنّهم وجدوا شيئًا غريبًا في التصوير الإشعاعي، بعضهم انتهى به الحال إلى تلف في الأعضاء، وزراعة أعضاء جديدة.

إذا كُنت بصحّة، فأحمد الله على عافيته، واستمتع بحياتك، وابتعد عنّا :)