في العام الماضي، كانت هناك تقارير واسعة النطاق عن رجل فرنسي يبلغ من العمر 53 عاماً تعرض لسكتة قلبية و ”توفي“، ولكن تم إنعاشه بعد 18 ساعة من توقف قلبه.

كان يُعتقد أن هذا ممكن جزئيًا لأن جسده قد تم تبريده تدريجيًا بشكل طبيعي بعد توقف قلبه، من خلال التعرض للطقس البارد الخارجي. وورد أن الفريق الطبي الذي أعاد إحيائه أصيب ”بالذهول“ لأنهم تمكنوا من إعادته إلى الحياة، لاسيما لأنه لم يتعرض حتى لتدمير خلايا دماغه.

ومن المثير للاهتمام، أن هذا الرجل يمثل حالة من عدد متزايد من الحالات الاستثنائية التي تم فيها إحياء الأشخاص الذين كان من المفترض إعلان وفاتهم. إنها شهادة على التأثير المذهل لعلم الإنعاش – العلم الذي يوفر فرصًا لعكس الموت حرفيًا، وبذلك، يلقي الضوء على السؤال القديم حول ما يحدث عندما نموت.

الموت: الماضي والحاضر

على مر التاريخ، تميزت الحدود بين الحياة والموت باللحظة التي توقف فيها قلب الشخص، وتوقف فيها التنفس، وتوقفت فيها وظائف الدماغ. أصبح الشخص بلا حراك، بلا حياة، وتم اعتباره ميتًا بشكل لا رجعة فيه. هذا لأنه بمجرد توقف القلب عن النبض، يتوقف تدفق الدم وينقطع الأكسجين عن جميع أعضاء الجسم، بما في ذلك الدماغ. وبالتالي، في غضون ثوان، يتوقف التنفس ويتوقف نشاط الدماغ. بما أن توقف القلب يحدث حرفيًا في ”لحظة“، فإن المفهوم الفلسفي لنقطة معينة في زمن الموت ”الذي لا رجعه فيه“ لا يزال سائدًا في المجتمع اليوم. فالقانون، على سبيل المثال، يعتمد ”وقت الوفاة“ الذي يتوافق مع توقف القلب عن النبض.

كان ظهور الإنعاش القلبي الرئوي (CPR) في الستينيات ثوريًا، أوضح علم الإنعاش أنه من المحتمل إعادة تشغيل القلب بعد توقفه مرة أخرى، وما كان خطاً فاصلاً بين الموت والحياة تبين أنه يمكن عكسه عند بعض الأشخاص. ما كان يسمى في يوم من الأيام بالموت – نقطة النهاية واللارجعة – أصبح يسمى الآن على نطاق واسع بالسكتة القلبية، وأصبح نقطة بداية.

منذ ذلك الحين، فقط إذا طلب شخص ما عدم إنعاشه أو عندما يفشل الإنعاش القلبي الرئوي، فسيتم إعلان وفاة الأشخاص من خلال ”المعايير القلبية الرئوية“. من الناحية البيولوجية، فإن السكتة القلبية والوفاة بالمعايير القلبية الرئوية هما نفس العملية، من الواضح، على عكس تصورات الكثير من الناس، أن السكتة القلبية ليست نوبة قلبية؛ إنها الخطوة الأخيرة في الوفاة بغض النظر عن سبب توقف القلب، سواء كان السبب سكتة دماغية أو نوبة قلبية أو حادث سيارة أو عدوى غامرة أو سرطان. هذه هي الطريقة التي يتم بها تشخيص الموت في حوالي 95% من الناس.

الاستثناء الوحيد هو النسبة الصغيرة من الأشخاص (5% من الناس) الذين يكونون قد عانوا من إصابات دماغية كارثية، لكن قلوبهم يمكن أن تظل تنبض بشكل مصطنع لفترة من الوقت على أجهزة دعم الحياة. يمكن إعلان موت هؤلاء الأشخاص قانونياً بناءً على معايير الموت الدماغي قبل أن تتوقف قلوبهم. وذلك لأن الدماغ يمكن أن يموت إما من انقطاع الأكسجين بعد السكتة القلبية أو من صدمة شديدة أو من النزيف الداخلي، على أي حال فإن خلايا الدماغ لا تتدمر بشكل غير قابل للعكس إلا بعد ساعات (ويمكن فترة أطول) من التعرض لمثل هذه الإصابات.

إدراك عميق

ما أصبح واضحاً بشكل متزايد هو أن ”مفهوم الموت الذي لا رجوع منه” قد لا يعكس بالضرورة ضررًا خلويًا حقيقيًا لا يمكن إصلاحه داخل الجسم. هذا يتوافق مع الفهم المتزايد أنه: فقط بعد أن يموت الشخص فعليًا (توقف القلب ونشاط الدماغ) تبدأ الخلايا في الجسم في الخضوع لعملية الموت الخاصة بها. من المثير للاهتمام أن هذه العملية هي شيء يمكن التلاعب به الآن من خلال التدخل الطبي. يعد تبريد الجسد أحد هذه التدخلات التي تبطئ من معدل تحلل الخلايا. توضح حالة الفرنسي البالغ من العمر 53 عامًا وحالات الإنعاش الحديثة الأخرى بعد فترات طويلة من الزمن هذا الفهم الجديد.

الإعلان المذهل الذي صدر الأسبوع الماضي من قبل عالم الأعصاب الدكتور نيناد سيستان وفريقه من جامعة ييل، والذي نُشر في المجلة العلمية المرموقة نيتشر، يقدم دليلاً آخر على وجود فجوة زمنية بين الموت الفعلي والموت الخلوي في الجثث. في هذه الدراسة الأساسية، تمكن هؤلاء الباحثون من استعادة وظيفة الأدمغة بشكل جزئي في الخنازير بعد أربع ساعات من قطع رؤوسهم عن أجسادهم. تأتي هذه النتائج بعد العمل الرائد في عام 2001 لعالم الوراثة فريد غيج وزملاؤه من معهد سالك، والذي نُشر أيضًا في مجلة نيتشر، والذي أظهر إمكانية نمو خلايا دماغية بشرية في المختبر عن طريق أخذ عينات دماغية من أنسجة الجثث في مستودع الجثث لمدة تصل إلى 21 ساعة بعد الوفاة.

الخط الأسود والأبيض الفاصل بين الحياة والموت أصبح الآن أكثر ضبابية من أي وقت مضى. قد يجادل بعض الناس بأن هذا يعني أن هؤلاء البشر والخنازير لم يكونوا “ميتين” حقًا. ومع ذلك، هذا مثل القول بأن الأشخاص الذين قُتلوا أثناء الثورة الفرنسية لم يموتوا أيضًا. ومن الواضح أن الأمر ليس كذلك. كلهم ماتوا. المشكلة ليست الموت. إنه اعتمادنا على فكرة فلسفية قديمة (فكرة أن الموت نقطة لا رجعة منها)، وليست بيولوجية، عن الموت.

لكن التمييز بين اللارجعة من منظور طبي واللارجعة البيولوجية قد لا يهم كثيرًا من منظور عملي اليوم. إذا لم تكن التدخلات الطبية موجودة في أي وقت أو مكان معين، فلا يمكن بالطبع عكس الموت.

ومع ذلك، فمن المهم التمييز بين اللارجعة البيولوجية واللارجعة من منظور طبي: عندما يحدث فقدان ”لا رجعة فيه“ لوظيفة الخلايا بسبب عدم توفر التدخلات الطبية المناسبة، فمن المحتمل أن يعود الشخص في المستقبل عندما يتوفر تدخل طبي كافٍ مناسب، أو حتى اليوم إذا كان هو أو هي يموت في مكان حيث يمكن للتدخلات الجديدة أن تبطئ من معدل موت الخلايا. ومع ذلك، عندما تحدث خسارة حقيقية لا رجعة فيها لوظيفة الخلايا من منظور بيولوجي، فلن يكون أي تدخل قادرًا على عكس العملية، سواء اليوم أو غدًا أو بعد مائة عام. (بالمختصر عندما يموت شخص أي يتوقف قلبه وتتوقف أنشطه دماغه [هذا موت فعلي طبي لا يمكن أن تسمي شخصا قلبه ودماغه متوقفان عن العمل أنه ما زال حيا]، فيمكن عكس هذا النوع من الموت ويمكن استعادة وظيفة الخلايا مرة أخرى حتى بعد ساعات الآن بفضل التقدم الطبي الذي يحافظ على خلايا الجسد من التحلل لحين استعادة وظيفتها مرة أخرى، والمدة التي يمكن بعدها إرجاع الشخص من هذا الموت ستختلف حسب الإمكانيات التي نمتلكها في كل عصر، أما عندما يتطور هذا الموت إلى [موت فعلي بيولوجي = خلايا الجسد تحللت] فلا يمكن بأي حال من الأحوال عكسه بغض النظر عن الإمكانيات التي نمتلكها).

– استكشاف ما يحدث بعد الموت الفعلي الطبي:

اليوم، بفضل علم الإنعاش الحديث، لم يعد من الممكن اعتبار الموت لحظة مطلقة بل عملية يمكن عكسها حتى بعد ساعات عديدة من حدوثها. كم ساعة؟ لا نعرف حقًا.

أحد الآثار الأوسع لتقدمنا ​​الطبي هو أنه يمكننا الآن دراسة ما يحدث للعقل البشري والوعي بعد أن يدخل الناس منطقة الموت، والتي تحدد عادة بعد توقف القلب عن النبض – ولكن قبل حدوث تلف غير قابل للعكس ولا يمكن إصلاحه في الخلايا – تم إعادة الناس إلى الحياة مرة أخرى بالإنعاش. تم إحياء الملايين بنجاح، وأفاد العديد منهم بأنهم مروا بحالة عقلية فريدة وعالمية وتحويلية.

هل كانوا ”موتى“؟ نعم، وفقًا لجميع المعايير التي استخدمناها على الإطلاق. لكن كان من الممكن إعادتهم للحياة قبل أن تصل جثثهم ”الميتة“ إلى نقطة التلف الخلوي الدائم الذي لا رجعة فيه. لذا بدلاً من تسمية ما مروا به ب ”تجربة الاقتراب من الموت”، أفضل استخدام المصطلحات الجديدة لوصف هذه الحالات وهو ”تجربة الموت الفعلي“. تقدم التجارب الفريدة لهؤلاء الناجين شهادات شهود عيان عما سنواجهه جميعًا عندما نموت.

مثل هذه التجارب تشمل رؤية ضوء دافئ، وأقارب متوفين، ومراجعة لحياتهم من الولادة وحتى الموت، وإصدار حكم على أفعالهم ونواياهم من حيث صلتها بإنسانيتهم، وفي بعض الحالات الإحساس برؤية الأطباء والممرضات يعملون على إنعاشهم.

هل تتوافق هذه التجارب مع الهلوسة أو الأوهام؟ لا – جزئيًا، لأن هؤلاء الأشخاص قد وصفوا أحداثًا حقيقية يمكن التحقق منها، والتي، بحكم تعريفها، ليست هلوسة (على سبيل المثال يصفون ما فعله الأطباء في غرفة الإنعاش)، وجزئيًا لأن تجاربهم الواعية لا تتوافق مع الذكريات المرتبكة والهذيان الذي يصاحب عادة نقص الأكسجين الذي يصل للخلايا.

على سبيل المثال، من الصعب تصنيف مراجعة منظمة وذات مغزى لحياة المرء وإنسانية المرء على أنها هلوسة أو توهم. بدلاً من ذلك، تمثل هذه التجارب فهماً جديداً للتجربة الإنسانية الشاملة للموت. كطبيب في وحدات العناية المركزة لأكثر من 10 سنوات، رأيت العديد من الحالات وتم تأكيد العديد من الحالات الأخرى من قبل زملائي. باختصار، من المعروف أن هؤلاء الناجين يعودون بتقارير عن وعي كامل، مع عمليات تفكير واضحة وجيدة التنظيم وتكوين ذاكرة.

التحدي الذي نواجهه علميًا هو فهم كيف يكون ذلك ممكنًا في وقت تخبرنا فيه كل علومنا أن الدماغ يتوقف عن العمل. حقيقة حدوث هذه التجارب هي مفارقة وتقترح أن الكيان غير المكتشف الذي نطلق عليه ”الذات“ أو ”الوعي“ أو ”النفس“ – الشيء الذي يجعلنا ما نحن عليه – قد لا يُفنى عند الموت (إفتراض أن العقل يمكن أن يظل موجود بدون الدماغ ليس فيه أي شيء مخالف للعلوم الحالية، لأنه لم يبرهن أحد أصلاً في أي تجربة أو أي مختبر علي كوكب الأرض أن العقل/الوعي/ذات الإنسان هو نتاج نشاط الدماغ إقرأ عن معضلة العقل والجسد الشهيرة The Mind-Body Problem).

في جامعة نيويورك وعبر 20 مستشفى في الولايات المتحدة وأوروبا، قمنا بتجميع فريق جديد متعدد التخصصات من الخبراء، بما في ذلك طب الأعصاب وأمراض القلب والعناية المركزة. نأمل في تحسين الوقاية من السكتة القلبية وعلاجها، بالإضافة إلى معالجة تأثير الاكتشافات العلمية الجديدة على فهمنا لما يحدث عند الوفاة.

أكدت إحدى دراساتنا الأولى، دراسة الوعي أثناء الإنعاش (AWARE)، التي نُشرت في المجلة الطبية (الإنعاش) في عام 2014، أن بعض مرضى السكتة القلبية يبلغون عن تجارب واعية ولكنهم يعجزون عن تذكرها؛ يبلغ الآخرون عن ذكريات وتجارب واعية مفصلة؛ وعدد قليل منهم يبلغ عن وعي سمعي وبصري كامل ووعي بتجربتهم، في وقت كان من المتوقع فيه أن تتوقف وظائف الدماغ.

بينما من المحتمل أن يكون لديك بعض الآراء أو المعتقدات حول هذا بناءً على خلفيتك الفلسفية أو الدينية أو الثقافية، فقد لا تدرك أن استكشاف ما يحدث عندما نموت هو الآن موضوع بدأ العلم في التحقيق فيه، ليس هناك من شيء أكثر إثارة للاهتمام للبشرية من سؤال ”ماذا يحدث لنا عندما نموت؟“ ولأول مرة في تاريخنا، قد نكتشف أخيرًا بعض الإجابات الحقيقية.

المقال: