"الحرية في العمل وفق الجدول الزمني الذي يتوافق مع ظروفنا، إمكانية العمل من أي مكان نحب، عدم وجود سياسات روتينية صارمة في العمل، إمكانية تحديد مقدار العمل وتوقيته، العمل وفق رؤيتنا وإتاحة الفرصة للإبداع أكثر"؛ كل ما سبق وأكثر من ضمن ميزات العمل الحر كما نعلم جميعًا، وكله يقع تحت مظلة "المرونة" التي تميز العمل الحر عن العمل التقليدي. لا أنكر أن كل تلك الميزات بالفعل رائعة كما تبدو من ظاهرها، لكن ماذا عن باطنها وكواليسها، هل هي بالفعل مرونة مطلقة إلى هذا الحد كما تبدو؟!

آثرتُ أن أُثير هذا النقاش اليوم فضولًا، لأعرف ماهية رؤية غيري من المستقلين لميزة المرونة في العمل الحر، وليستفِد من تلك الآراء المستقلون الجدد والمبتدئين، الذين قد يتوهموا أن هذا النمط من العمل ينطوى على مرونة وحرية لا سقف لها!

بالنسبة لي، فأنا أرى أن المستقل أكثر احتياجًا من غيره لقدرٍ عالٍ من "المسؤولية والالتزام"، فالمسؤولية هنا تزداد بخلاف ما يعتقد كثير من المبتدئين، بدايةً من تحديات الوصول إلى العميل الأول، ومرورًا بمسؤوليتنا في التطوير المستمر لمهاراتنا لمواكبة مختلف المتطلبات، ووصولًا إلى تقديم عمل ذي جودة ينال إعجاب العملاء الذين تختلف متطلباتهم وأذواقهم وأفكارهم وأساليبهم في كل مرة.

نحن مسؤولون أيضًا عن التحفيز الذاتي لأنفسنا، ويجب أن نلتزم بذلك لأننا مطالبون بمواعيد تسليم محددة، وما يعقبها من تقييمات ومراجعات تتحكم في انطباعات العملاء الآخرين وتتحكم في مدى استمراريتنا، أضف إلى ذلك إذا كنا نعمل على أكثر من مشروع في الوقت نفسه، صحيح أن في الأمر مرونة ويمكن ألا نفعل، لكننا مضطرون لأن العائد المادي هنا مرن أيضًا للأسف، سيتقلص كلما عملنا أقل. وبالنسبة لمرونة العمل وفق رؤيتنا ونحن رؤساء أنفسنا وما إلى ذلك، فهذا ليس دقيقًا في كثير من الأحيان، فنحن نوظف مهاراتنا للعمل وفق رؤية العميل، والذي قد يطلب تعديلًا غير منطقي في العمل، لكننا مضطرون أن نكيف العمل وفق رؤيته، والمنصة هذه بها عشرات المنشورات التي تحكي عن معاناة بعض المستقلين مع بعض العملاء حول هذا السياق.

لذا، أقول إن المرونة موجودة، لكنها ليست مطلقة، وتوابعها وضريبتها قد تصل إلى حد الضغط والتوتر في بعض الأحيان.