الصيف قبل الماضي، قد أنهيت دراستي، وبدأت اللبحث عن عمل، لأني في العادة أعمل في فترة العطلة، اتفقت مع شخص أعرفه منذ أيام الطفولة، لم يكن ذلك الشخص صديقي المقرب، لكن علاقتي به جيدة، وتحدثت معه عن طبيعة العمل، العمل ببساطة هو أن ترعى الدجاج من لحظة وصوله ويكون فراخ صغيرة إلى أن تتم عملية البيع، حوالي من 45 إلى 50 يوم، المكان يسمى "عنبر" وهو تقريباً بمعنى مخزن أو حاوية، كانوا عنبرين، واحد أنا أرعاه والآخر للشخص الذي معي، وكان من المفترض أن يتم تقسيم الفراخ إلى مجموعتين، كل مجموعة في عنبر، كان العنبرين يبعدان عن بعضهما مسافة قريبة، حوالي 400 متر، وهم في الصحراء بعيداً عن المدن لكي لا تنتشر الأمراض في الدجاج، اتفقت معه أن المرة الأولى ستكون تجربة لطبيعة العمل، وإذا لم يعجبني لن أستمر، ذهبنا قبل شهر رمضان بيومين تقريباً، من سيارة إلى أخرى، نتوغل في الصحراء وكأننا في عملية تهريب مخدرات :) عند وصولنا قابلنا صاحب العمل الذي يأتي كل فترة ليتفقد الوضع، دلنا على غرفة بجانب العنبر لكي نمكث بها لحين أن يتم تقسيم الفراخ إلى قسمين وأذهب أنا إلى اللعنبر المجاور الذي بجانبه غرفة أيضاً، كانت هذه الغرفة مبنية من الطوب الجيري ومفتحة من كل الجوانب، كانت الحشرات تسرح وتمرح بالداخل، الأعمال كانت سهلة لكن على المدى البعيد ترهق الجسم بسبب النوم المتقطع، يتطلب أن يبقى أحد منا مستيقظ ونتناوب فترات النوم بحيث لا يجب أن ننام نحن الإثنين معاً، المهمات كانت سهلة وممتعة مثل إمداد العلف والماء كلما نفذوا، وخلط جرعات الدواء مع الماء بنسب معينة، ضبط درجات الحرارة في الداخل على نسب معينة، من الصعوبات التي كانت هناك، جو الصحراء المتقلب، موجة هواء ساخن في النهار، وفي الليل برد شديد، وكثرة الحشرات الطائرة والعقارب، والجو حار جداً داخل العنبر، نظراً لوجود دفايات لضبط درجة الحرارة، هذه كانت المرة الأولى التي أبتعد فيها عن عائلتي للعمل في مكان آخر، مر يومين وثلاثة وأربعة في بداية شهر رمضان، الشخص الذي رافقني في الكثير من الأحيان يكون بعيد عني، ولا يتحدث معي كثيراً، هنا بدأت أشعر بشعور غريب لم أجربه من قبل، هل هي العزلة التي قرأت عنها تجارب لأشخاص من قبل، لكن معظم من قرأت لهم كانوا يشعرون بشعور إيجابي، راحة البال وصفاء الذهن وغير ذلك، لم أشعر بذلك طوال التسعة أيام، مع مرور الأيام أصبحت مشتت جداً وكان يصيبني بعض الكدر والعصبية، عندما أشغل نفسي بشيء ثم أنتهي منه يعود عقللي للتفكير بالواقع، بصراحة شعور بالضيق لا يوصف، مع مرور الأيام بدأت أفكر في سؤال لم أتوقعه، ما الذي أتى بي إلى هنا؟ كنت أظن أنهم مجرد 50 يوم وسيمروا بسرعة، حينها تذكرت نصيحة قالها لي الشخص اللذي معي ( لا تحصي الأيام لكي لا تتعب ) حينها أدركت أنه أيضاً كان يحاول التعايش مع ذلك في الماضي، لم يشغل بالي طوال تلك الفترة غير هذا اللشعور القاتل، مع مرور الأيام لم أتحمل ذلك، تكلم معي هذا الشخص، وحكى لي أن في بداية عمله كان يبكي ويتصل بعائلته لكي يعود، لكن مع الأيام تعود على ذلك، قبل رحيلي قال لي لا أحد يجد عملل بهذه السهولة في هذه الأيام وبهذا الراتب، كان الراتب حوالي 1300 جنيه مصري :) تحيا جمهورية مصر العربية :) لكن لم أستطع أن أتحمل ذلك، رغم وجود بعض الصعوبات في العمل لكني جربت هذا العمل كمغامرة وتجربة جديدة، كان منظر الصحراء خيالي، جبال ونجوم وشيء لا يوصف، لكنها تجربة في مقتبل العمر أظهرت لي أني إنسان لا أتحمل العزلة، والتجارب قادمة، لعلها تثبت العكس، ما هي تجربتك مع العزلة؟
تسعة أيام في الصحراء.
9 أيام فقط ؟
ماذا لو أخبرتك أني أعيش في عزلة منذ 10 سنوات بعد أن اصبت بحادث أقعدني، وإلى هذه اللحظة وانا اكتب لك هذا التعليق لا تزال العزلة رفيقتي.
في العشر سنوات الماضية مرت سنين اسميها سنوات الجمر! لا اخرج فيها من المنزل أبدا، فقط عند زيارة الطبيب لعمل فحوصات طبية عن حالتي مرة كل 6 أشهر، ولكن العزلة هي آخر ما ستفكر فيه عندما تكون شخص مقعد، الألم النفسي القاتل هو ما يجب أن تخشاه والاهم من ذلك يجب ان تسيطر على عقلك حتى لا يقودك إلى الهلاك، (اتحدث عن الانتحار).
الحياة هنا جحيم بأتم معنى الكلمة، لا أصدقاء لا سعادة لا شيء يذكر، فقط عذاب وألم. ولكن الحمد لله.
هل تعرف ما يتمناه شخص مقعد ؟
هو يتمنى ان يعيش فقط يوم واحد حياة طبيعية مثلك، لا لا،، ربما ساعة فقط تكفي! ليشعر أنه حر،
مختصر كلامي:
إذا كنت شخص طبيعي لا يعاني من اي مرض، فهنيئا لك الجنة!
شكراً لك يا صدام على مشاركتنا تجربتك، أهم شيء هو أنك لا زلت تحمد الله على هذا الابتلاء، الحمد لله فقط، برضاً تام، بالطبع مهما حاولت أن أعبر لك عن أني أشعر بمعاناتك، فلن أكون صادق، لا أحد يشعر بمعاناتك غيرك، 10 سنوات مدة مهلكة إن قضيتها وأنت تتألم وكذلك وحيد، لكنك تحملت ذلك وسيطرت على عقلك، وأنت الآن تشارك معنا تجربتك هنا.
لا أجد ما أقوله سوى أن أحييك على صبرك وأتمنى لك من الله الشفاء العاجل، أنت تفتقد نعمة، لكن لديك نعم أخرى كثيرة يفتقدها غيرك، وهم أكثر ضرر منك.
شكراً مرة أخرى على مشاركتك معنا في هذا المجتمع.
التعليقات