إحدى أهم اللّحظات في حياتي كانت عند التحاقي ببرنامج الماجستير في دولة تتميّز بنظامٍ تعليميّ حديث. فقد كان ذلك أحد أحلامي الكبيرة الذي ظلّ يلازمني طيلة فترات مراحلي الدّراسية والذي ظلّ صوته في داخلي يكبر يوم بعد يوم و عام إثرعام حتى تحقّق بفضل وتوفيق من الله عزّ وجلّ.

كانت السّنة الأولى لي في الجامعة مُثيرة لي بكل المقاييس.. فكل شيء يجذب الانتباه.. لم أستطع منع نفسي من التّدقيق في الفروقات بيننا وبينهم .. كنت مندهشة طوال الوقت وأقارن كل تفصيلة فيما يخصّ النظام التّعليمي بشكل عام، المعلّمين، الفصول، الإدارة، قسم شؤون الطلاب، التكنلوجيا، مكتبة الجامعة، التّعامل بين الطّلاب والمدّرسين، وسائل وطرق التدريس...إلخ

وبشيءٍ من التّفصيل أوّدّ التّحدّث قليلًاعن أكثر الأشياء التي أثارت دهشتي ولفتت انتباهي:

علاقة المعلّم بالطّالب

• علاقة المعلم بالطّالب قائمة على الوّدّ والإحترام المتبادل بين الطّرفين. يتعامل جميع المعلّمون بلا اسثناء مع طلاّبهم بقمّة الّلطف والتّواضع وكلّهم دائمًا على استعدادٍ تام لمساعدة أي طالب بحاجة لهم.

• طريقة التّواصل مع المعلّمين مرنة للغاية، فعلى سبيل المثال يمكننا التّواصل مع أي معلّم سواء عبر البريد الالكتروني أو زيارته بمكتبه في أوقاتٍ محددّة مسبقًا، فكلّ معلّم لديه ساعات أسبوعية معيّنة يستقبل فيها من هو بحاجة لاستفسار أو مساعدة تُعرف بـ Office Hours/ Consultation hours رقيّ في التّعامل يُشْعرك بآدميتك .. بأنّك إنسان له حقوق كما عليه واجبات. باختصار، كل من في الجامعة وما فيها ميّسر لخدمة الطّالب.

طرق التدريس

• معظم المحاضرات عبارة عن حلقات نقاش يحقّ فيها للطّالب تمامًا كما للمعلّم إبداء رأيه، طرح أفكاره والمشاركة باقتراحاته بكل حرّية ورحابة صدْر. • يحفّز المعلّم الطّلاب من خلال استخدامه أساليب تدريس متنوّعة كالتّفكيرالنّاقد، العمل الثنائي والجماعي، بعض من الألعاب الهادفة، فيديوهات ذات علاقة بمحور الدّرس وعرض نقاط الدّرس الأساسيّة عبرالباوربوينت وغيرها من الطّرق التي تجعل المحاضرة شيّقة وغير مملّة على الإطلاق.
• للتّطبيق العملي أهمية بالغة تطغى كثيرًا على الجانب النظري، لذلك معظم المواد إن لم تكن كلّها متضمّنة تطبيقات عمليّة بما يتناسب مع متّطلبات كل مادة.

استراتيجية الامتحانات • قبل فترة الامتحانات، يٌحدّد كلّ معلّم عدّة مواعيد تصل لـ أربعة أو خمسة "تختلف من معلّم لآخر" بحيث يختار منها الطّالب الموعد الذي يناسبه لامتحان المادة. كل ذلك يتم إلكترونيًا عن طريق موقع الجامعة، فكل طالب لديه حساب جامعي يجد فيه كل ما يريد (جدول الدراسة، المواد، مواعيد الامتحانات، نتائج الامتحانات...إلخ). • في حالة أخفق الطّالب في مادة ما، تكون لديه ثلاث فرص لإعادة الامتحان. • تظهر نتائج المادة بعد فترة وجيزة من الامتحان على موقع الجامعة ، دون الحاجة لمراجعة المعلّم.

مواد ترفيهية • قبل بدء العام الدّراسي يُحدّد يوم لاختيار المواد إلكترونيًا ومنه الحصول على الجدول الدّراسي. • تنقسم المواد إلى ثلاثة أقسام، منها ماهو إجباري، إختياري إجباري واختياري فقط. يتضمّن الجزء الإختياري مواد كالرياضة والّلغات. يمكن اختيار مواد رياضّية متنوّعة مثل التنس، اليوجا، كرة السّلّة، آيروبيكس، تنس الرّيشة. أمّا فيما يخصّ الّلغات فهناك الأسبانيّة، الرّوسيّة، الفرنسيّة، الألمانيّة، الّلاتينيّة وحتّى التّشيكيّة لغير التشيكييّن طبعًا.

شيء أخير أودّ ذكره هو أنّ في نهاية كلّ فصل يتم تقييم أداء كلّ مدرّس على حدة في قسم خاص على موقع الجامعة وذكر ما إذا كان هنالك أية سلبيات أو ايجابيات بالإضافة لطرح أيّ أفكار أو اقتراحات قد تفيد معلّم المادّة لاحقًا.

هذه كانت أكثر الأشياء التي لفتت انتباهي خلال العام الماضي.. أحببت كل مادة درستها، استمتعت بكل حصّة دراسيّة.. بكل مهمّة توجّب عليّ اتمامها.. لم تكن كل الأيام ورديّة بالتأكيد.. لا بدّ من ظهور صعوبات وعقبات تعترض طريقنا دائمًا، لكن بشكل عام كانت من أروع المراحل الدراسيّة وأجمل التّجارب التي خضتها في حياتي .. تعلمّت خلالها مالم أتعلمه طوال أربعة أعوام في مرحلة البكالاريوس.

ويبقى السؤال الأهم متى سيصل التّعليم بعالمنا العربي لما وصل إليه الآخرون، متــــى ؟!!!