لطالما حملت داخلي شعورًا دفينًا بالتقصير في تربية أبنائي. كنت أغضب أحيانًا، يرتفع صوتي، أواجههم بعصبية لم أقصدها، ثم يأتي الليل… ويجلس بجواري كضيف ثقيل لا يغادر. يفتح حقيبة اللوم، ويخرج منها سؤالًا يوجع القلب: كيف فعلتِ ذلك؟

كنت أرى نفسي مطالبة أن أكون أمًا مثالية، أمًا لا تغضب، لا تتعب، لا تئن، لا تُظهر ضعفًا. كنت أعتقد أن “الأم الجيدة” هي تلك التي تتحمل كل شيء بصمت، وتظل ثابتة مهما حدث، وكأن لي قلبًا من حديد وليس قلبًا من لحم يتعب، ويتألم، وينكسر أحيانًا.

ومع كل ليلة تملؤها محاكمة النفس، كنت أصف نفسي بأقسى الصفات: أنا مخطئة… أنا أم سيئة… أنا لا أستحق طفلي.

ومع مرور الوقت، أصبحت أدور في دوامة مرهقة:

ضغطٌ نفسي… ثم غضب… ثم ندم… ثم لوم… ثم ضغط من جديد.

إلى أن جاء يوم توقفت فيه وسألت نفسي بصراحة:

هل أنا حقًا أم سيئة؟ هل أنا لا أحب طفلي؟

وكان الجواب واضحًا كالشمس:

لا.

أنا أحبه أكثر من نفسي.

لكن إذا كنت أحبه بهذا القدر…

لماذا أغضب؟

ما الذي أريده حقًا من غضبي والقواعد التي أطالب طفلي أن يتبعها؟

وحين سألت نفسي بعمق، كانت الإجابة مفاجِئة وبسيطة في آن واحد:

كل ما أريده أن يعيش طفلي سعيدًا… هادئًا… في سلام.

وهنا أدركت شيئًا لم أنتبه له من قبل:

سلام أطفالي يبدأ من سلامي أنا.

لا يمكن أن أهب طفلي عالمًا آمنًا وأنا أعيش داخلي في معركة مع ذاتي.

ولا يمكن أن أعلمه الهدوء وأنا أطلب من نفسي الكمال، وأُحمّل قلبي فوق طاقته.

ثم سألت نفسي سؤالًا آخر:

ما معنى المثالية التي أبحث عنها؟

هل أريد أن أكون “سوبر هيرو”؟

هل يُفترض أن أصنع المعجزات لأثبت أنني أم جيدة؟

الحقيقة أنني بشر… إنسانة تتعلّم، وتجرب، وتخطئ.

وأطفالي لا يحتاجون مني أن أكون معجزة.

يحتاجون أن يروني كما أنا:

أغضب… أهدأ… أعتذر… وأواصل التعلّم.

أدركت أن في الأخطاء دروسًا، وفي لحظات الاعتذار نبلاً، وفي الضعف جمالًا يجعلهم يرون أن الإنسانية ليست عيبًا… بل طبيعتنا الأصلية.

الأطفال يحتاجون أن يعرفوا أن الخطأ ليس نهاية العالم، وأن الاعتذار قوة، وأننا جميعًا — صغارًا وكبارًا — نحاول أن نكون أفضل كل يوم.

لذلك، بدلاً من جلد الذات، قررت أن أسمح لنفسي أن أكون بشرًا.

أن أترك مساحة للخطأ، ومساحة للتعلّم، ومساحة لأطفالي يروني كما أنا… على حقيقتي.

أؤمن اليوم أن المثالية الحقيقية ليست في ألا نخطئ، بل في أن نمتلك الشجاعة للاعتراف بخطئنا، وفي أن نمنح أطفالنا درسًا عميقًا:

أن الإنسان خُلق ليتعلّم… لا ليكون كاملًا.

وهكذا أصبحت أختار السلام على السعي المستميت للكمال، وأختار الوعي بدل جلد الذات، وأختار أن أكون أمًا إنسانية… لا خارقة.

وهذا — في نظري — هو أجمل ما يمكن أن أقدمه لأطفالي.