في داخلي غرفة لا تعرف الوقت.

لا يوجد فيها ليل ولا نهار، لا نوافذ ولا ساعات.

فقط جدرانٌ شفافة تنعكس عليها أفكاري،

وأرضية صامتة تمشي عليها ذكرياتي كأنها أطياف

هذه الغرفة لا يراها أحد،

حتى أنا، لا أدخلها دائمًا…

بل أُستَدرَج إليها حين تتعب روحي من التشابه،

وحين تصرخ روحي: “هذا العالم لا يشبهني.”

في الخارج، كل شيء يُقاس: الوقت، الصوت، الضحك، النجاح أما هنا، فلا شيء يُقاس لا أحد يسأل “كم بلغت؟”، أو “إلى أين وصلت؟”بل يسألك الصمت فقط: “هل أنت هنا حقًا؟"في هذه الغرفة، ليس لي اسم ولا قصة واضحة أنا مجرد وعيٍ يتحرك بحرية، بلا قيد وبلا تعريف أجلس مع ذاتي كما تجلس الغيوم مع السماء، بلا موعد… وبلا حاجة للكلام وهناك أشعر أني موجود لأجل شيء أعمق من أن يُقال شيء لا يحتاج تصفيقًا، ولا شهادة،بل فقط… من يفهمه.

أنا لا أنتمي تمامًا إلى هنا… ولا إلى هناك.

كأنني خلقت على حافة العوالم، في مساحة ضبابية لا تتبع لأحد.

أراقب كل شيء، لكنني لست جزءًا من أي شيء.

أبتسم حين يضحكون، أصمت حين يصرخون،

لكنّ شيئًا في داخلي يقول: “أنت لست منهم”.

لطالما شعرتُ أنني مختلف، لا تميزًا… بل انفصالًا.

عيني ترى التفاصيل التي لا ينتبه لها أحد،

وأذني تلتقط الصمت الذي يسكن بين الجمل.

كنت صغيرًا حين لاحظت أن العالم لا يسمع نفسه،

وكنت وحيدًا حين قررت أن أستمع.

في داخلي مدينة لا تُرى،

لا تعرف الفصول الأربعة،

ولا تتبع التوقيت العالمي.

مدينة يسكنها صمتٌ خفيف،

وضوءٌ بارد يمشي على نوافذ الذكريات.

في تلك المدينة،

لا أحد يطرق الباب،

ولا أحد يرحل.

الكلّ أنا،

والكلّ صدى لصوتٍ داخلي لم أجرؤ يومًا على نطقه.

في كل جلسة، في كل اجتماع، حتى مع أقرب الناس…

كنت أشعر أنني أؤدي دورًا.

أتحرك كما يُفترض، أتكلم بما يُناسب،

لكن في داخلي…

كنت أراقب نفسي من بعيد،

كأنني ممثل نسي لماذا صعد إلى المسرح.

تراودني دائمًا فكرة الاختباء،

ليس هروبًا من الحياة،

بل رغبة في أن أعيشها بطريقة تشبهني.

أحيانًا أفكر:

ماذا لو لم يكن هناك أحد؟

هل سأبني هذا العالم من جديد… على طريقتي؟

بمدنه الشفافة،

وسُكّانه من الذكريات،

وطرقاته المرصوفة بالأسئلة؟

أنا الذي تمرّ عليه اللحظات كأنها حلمٌ نسي أن يكتمل،

وأنا الذي سكنني ظلٌّ قرر أن يحبّ النور،

لكن دون أن يذوب فيه.

لا أحتاج الكثير.

فقط… أحد يفهم كيف يبدو العالم من عينيّ،

كيف تسير أفكاري في الأزقّة القديمة،

وكيف تصمت روحي حين يعلو الضجيج.

لكن حتى الآن…

لا أحد طرق باب مدينتي.

ولا أنا فتحت النافذة