بكيتُ بكاءَ المضطر: ذلك البكاء الذي لا يملك من السلاح سوى الصوت، ولا يعرف إلى أين يلوذ. كنتُ تائهةً داخل صندوقٍ من أربعةِ جدران، كلُّ جدارٍ يهمسُ بحدودٍ جديدةٍ، وكلُّ نفسٍ يعتصرهُ شوقٌ لحريّةٍ بسيطةٍ تسمحُ لي باستعادة روتيني اليوميّ، بعادتهِ الصغيرة التي تمنحني اتّساقَ الوجود.

أشعرُ بأني مقيدةٌ، ضعيفةٌ، كفرعٍ يحاول مقاومة ريحٍ لا تعرف الضعف. اليومَ، كلمةٌ واحدةٌ تُجرحني، ونبرةُ صوتٍ ثقيلةٌ من قريبٍ تُثقبُ يومي كما تخترق الإبرةُ نُسجَ الثوب. كلُّ شيءٍ صار مؤلماً بلا مواربة؛ أريد الهربَ ــ لا إلى وجهةٍ محددةٍ، بل إلى فراغٍ لا يطلبُ مني شيئاً، حيث أتنفسُ دونَ حسابٍ أو ملامة.

أكرهُ نفسَ الوتيرةِ التي أعيشها الآن؛ يأسٌ لطيفٌ وثقيلٌ في آن واحد، لأنّي أعرفُ يقيناً أن لله القدرةَ أن يقلبَ الموازينَ في لحظةٍ واحدة، وأنّ قلبَ القدر يُمكن أن يبتسمَ لي فجأةً. ومع ذلك، أفتقدُ الصبرَ على ما لا أطّلعُ عليه خبراً، وأتوهّجُ بغضبٍ داخليٍّ لا يجدُ مصدراً يتجاوبُ معه. أحاولُ أن أشرحَ رغبتي في الهروب، أن أطلبَ ذاكَ النفَسَ الذي ينقذني، لكن الردَّ غالباً ما يكون أجابةً غير مرضية؛ كأنّ الحقَّ في أن أتحررَ أمرٌ ممنوعٌ عليهم أن يمنحوه لي، مع أنّهم يرونُ أن خلاصَنا قد يكمنُ في ذاكَ الفَرَجِ البسيط.

وهكذا، أقفُ على هامشِ قلبي أراقبُ ظلالي، أعانقُ ضعفي بصمتٍ، وأهمسُ لأمنيتي: أن يأتي يومٌ يزيلُ هذه الجدران، أو أن يعلّمني الصبرَ الذي يجعلني أرتوي من يقينٍ داخلِي، علِّي أجدُ من يفهمُ أن الهروبَ ليس جريمةً بل ضرورةٌ للنفسِ التي تنهكها القيود.