"تجربة روحانية غريبة: سمعت صوت النبي ﷺ أثناء استماعي لأنشودة"

كنت قد ذكرت أنك ستوضح كيف عرفت أن الصوت الذي سمعته هو صوت النبي صلى الله عليه وسلم، لكنك لم تفعل. وهذا جوهري في فهم ما تدّعيه.

بل إن جوهر الإشكال في أنك بنيت استنتاجًا قطعيًا – وهو أنه صوت النبي صلى الله عليه وسلم – على تجربة شخصية غير قابلة للتحقق، ولا تملك لها دليلاً سوى "الإحساس الداخلي". وهذا، من جهة المنطق، لا يُثبت شيئًا.

ثم حتى لو سلمنا – مجازًا – أنك سمعت صوتًا جميلًا وأحسست أنه مميز، فكيف عرفت أنه صوت لم تسمعه من قبل؟ أعني: أنت لم تسمع صوت النبي صلى الله عليه وسلم سابقًا، ولم يصفه أحد وصفًا دقيقًا من حيث نبرة الصوت أو طبيعته، فبأي معيار قطعت بأنه هو؟

الأمر الآخر، وهو الأهم: كيف انتقلت من "تجربة سمعية" إلى نتائج فقهية؟ كيف ربطت قول الله تعالى: "فما ظنكم برب العالمين"، بأنها رسالة تنقض الحدود الشرعية التي ثبتت في نصوص واضحة، واستقرت في كتب أهل العلم منذ قرون؟ هل يمكن أن يُفهم من الآية أن الله تعالى ينكر أحكامًا أنزلها في كتابه أو شرّعها على لسان نبيه؟

ثم إنك تقول إنك "صرت تؤمن بأن رجم الزاني، وقتل المرتد، وقطع يد السارق، وعذاب القبر... خرافات"، معتمدًا على إحساسك، وبعض الأسئلة الموجهة للذكاء الاصطناعي! لكن هذه أحكام عظيمة لا تؤخذ بهذا الأسلوب، ولا تُردّ بهذا المنهج. ليست بهذه البساطة تُنسف مئات السنين من الاجتهاد والتدوين والبحث.

ثم – على سبيل التناقض – تقول إن سماع صوت النبي ممكن، ولكن في الوقت ذاته ترى أن عذاب القبر "غير ممكن"؟ لماذا تقبل ما يوافق ذوقك وتردّ ما يخالفه، رغم أن كلاهما غيبي؟ أليس هذا تناقضًا واضحًا؟

وأخيرًا: نحن لا نُنكر أن بعض الناس قد تمرّ بهم تجارب روحانية مؤثرة، وربما تكون حافزًا للتغيير أو التأمل، لكن أن تُبنى عليها أحكام شرعية، ويُعاد بها تفسير الدين على أساس الذوق أو الشعور... فهذا هو موطن الخلل.

فالأحكام الشرعية تُؤخذ من مصادرها، لا من الأحاسيس والتجارب الذاتية، مهما كانت عميقة التأثير على صاحبها.