كنت أطلُّ من نافذتي صباحًا، حين رأيت طيور الحب الصغيرة تتمايل فوق السلك كأنها تتهامس بأسرار لا تُقال، وتضحك على قلبٍ وقع في شِراك الحب ذات يوم… تذكّرت فجأة. بل لم أُرد أن أتذكّر. لكنه هو، الذاكرة التي لا تطلب الإذن لتعود.
ذاك اليوم... لا زلت أشعر بدفئه في أطراف أصابعي. كنتُ خارجةً من البيت في رحلة بطول خمس دقائق إلى الدكّان، مرتدية ملابس عادية جدًا. في الواقع، كنت أشبه ببطلة كرتونية ضاعت من فيلمها فجأة. لا شيء مميّز، سوى أنني كنت أمضغ قطعة حلوى بشراهة وكأنني طفلة هربت من حصة الرياضيات.
وفجأة... ظهر.
لا أعلم من أين نزل، وربّما نزل فعلًا من السماء! كان طويلًا، قويّ البنية، يرتدي ملابس رياضية وكأنه خرج للتوّ من إعلان عن البروتين. ووجهه؟ لا تسأليني... كان فيه شيء من الهدوء الملكي، وشيء من الفوضى الجميلة.
أوقفني، أو ربما الحياة نفسها توقّفت. ابتسم وقال شيئًا… لا أذكره، لأن رأسي كان في حالة طوارئ. فمي ممتلئ بالحلوى، عيناي تائهتان بين عينيه، وقلبي؟ يصفّق مثل مشجّع في مباراة نهائية.
نظرت إليه بنظرة فضول طفولي... تعلم؟ تلك النظرة التي تقول: "من أنت؟ ولماذا تُربكني؟ ولماذا أنت بهذا الطول أصلاً؟"
كنت قصيرة أمامه، حرفيًا ومعنويًا. شعرت وكأنني بطول قلم رصاص يقف أمام تمثال روماني. ومع ذلك، كنت أريد أن أقول شيئًا ذكيًّا، شيئًا يليق بهذا اللقاء المصيري… لكن بدلًا من ذلك، بلعت الحلوى بتهوّر، وكدت أختنق!
ضحك، وأنا احمرّ وجهي حتى أذنيّ. تمنيت لو أن الأرض تفتح لي حضنًا وأختبئ. لكن بدلًا من أن أهرب… وقعت. لا، ليس على الأرض، بل في حبّه. ببساطة، بتهوّر، ومن دون مقاومة.
أعترف الآن… لم يكن اللقاء مرتبًا، ولا أنا كنتُ نجمة مشهدٍ رومانسي، لكنني كنت صادقة، حقيقية، بكل ارتباكي الطفولي وملامحي الفوضوية. وربما لهذا السبب، علِق في قلبي إلى الأبد.
ذاك اليوم لم يكن عاديًّا. كان بداية شيء لم أستوعبه تمامًا بعد، ولكنني أشعر به كلّما رأيت طيور الحب تتمايل على الأسلاك… أو كلّما مرّ شخص طويل القامة أمامي وذكّرني به.
ويبقى السؤال الذي لم أجد له جوابًا حتى الآن:
هل كانت صدفة؟ أم دعوة حبٍّ قديمة سمعتها السماء، فلبّتها في لحظة عابرة من عمري؟
التعليقات