قد يبدو الأمر طريفًا، لكن الحقيقة أن كثيرًا منا يشعر بهذا الانجذاب الغريب نحو الإشعارات التي تظهر عند كل لايك أو تعليق. في البداية، بدأت أنشر في صفحتي على فيسبوك المخصصة للاستشارات النفسية، ثم توسعت مساهماتي إلى منصة حسوب حيث وجدت نفسي وسط مجتمع يقدر المعرفة والتفاعل البناء. لكن ماذا يخبرنا العلم عن سبب هذا الانتظار والترقب المستمر؟ وما الدوافع النفسية التي تقف وراء شعورنا بالسعادة عند وصول إشعار جديد؟

من الناحية النفسية، يتصل هذا السلوك بحاجاتنا الأساسية كبشر، وبشكل خاص حاجتي" الانتماء الاجتماعي "و"التقدير" ، فكما شرح عالم النفس أبراهام ماسلو في نظريته الشهيرة عن هرم الحاجات، فإننا بعد تلبية الحاجات الفسيولوجية والأمنية، نسعى لأن نشعر بالانتماء والقبول من الآخرين، وأن نُقدَّر لما نقدمه. ولأن التواصل عبر الإنترنت هو وسيلتنا الحديثة للتفاعل الاجتماعي، فإن اللايكات والإشعارات تصبح أشبه بوسائل صغيرة للتحقق من أننا مرغوبون ومهمون.

علميًا، عندما نحصل على تفاعل إيجابي، يُحفّز دماغنا إفراز

" الدوبامين " ، وهو ناقل عصبي مسؤول عن الشعور بالمتعة والمكافأة. هذا الإفراز يجعلنا نشعر بالسعادة والارتياح، ويشجعنا على تكرار السلوك الذي أدى إلى هذه المكافأة، وهو ما يُفسر لماذا قد نجد أنفسنا نتحقق من الهاتف بشكل متكرر بحثًا عن إشعارات جديدة.

هناك أيضًا دور لـ"مراكز المكافأة" في الدماغ مثل النواة المتكئة (Nucleus Accumbens) التي ترتبط مباشرة بهذه المشاعر الإيجابية، ما يجعل التفاعل الرقمي تجربة جذابة وممتعة على مستوى بيولوجي.

علاوة على ذلك، هناك جانب نفسي آخر يتعلق بما يسمى

" نظرية العقل "، وهي قدرتنا على فهم وتوقع أفكار ومشاعر الآخرين. عندما ننتظر تعليقًا أو لايكًا، فنحن في الحقيقة نراقب ردود فعل الآخرين على أفكارنا، ونتوق لمعرفة كيف ينظرون إلينا، وهذا يعزز رغبتنا في التواصل والقبول الاجتماعي.

لكن رغم هذا الجانب الممتع والمحفز، يجب أن نكون واعين بأن الاعتماد الزائد على التفاعل الرقمي كمصدر وحيد لتقييم الذات قد يؤدي إلى الإحساس بالضغط النفسي والقلق، وقد يولّد نوعًا من التعلق أو حتى الإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي. لذا، يأتي مفهوم "الاستمتاع الصحي بالتفاعل" ليوازن بين الرغبة في المشاركة والحصول على التقدير، وبين الحفاظ على تقدير الذات المستقل عن أرقام اللايكات والإشعارات.

في مجتمع مثقف مثل منصة حسوب، يشكل التفاعل فرصة لبناء علاقات معرفية حقيقية، وللتعلم المستمر، والمشاركة الإيجابية التي تزيد من قيمتنا الحقيقية، وهنا تكمن قوة التفاعل الصحي في كونه يدعم نمونا الفكري والنفسي دون أن يفرض علينا قيودًا أو ضغوطًا.

فإذا وجدت نفسك تنتظر إشعارًا أو لايكًا بشوق، فاعلم أن ذلك شعور طبيعي ينبع من أعماق حاجاتنا الإنسانية. استمتع به، لكن لا تدعه يقيس قيمتك ، لأن قيمتك الذاتية اكبر من مجرد رقم يظهر على شاشة هاتفك.