في إحدى الأيام، كنت جالسة أمام الكمبيوتر أصحح أعمال طالباتي في مادة الإعلام الآلي ، بينما كانت المنظفة تحمل مكنسة ودلو تتهيء لتنظيف القسم ، كنت ألاحظها من قبل تمر من حولي تنظر إلى ما أفعله بالكمبيوتر ،كانت من حين لحين تعبر عن إعجابها وفضولها الكبير تجاه هذا الجهاز الساحر ، وتسألني عن كيفية عمله وكيف يمكن أن يفيد الناس. كان فضولها أكبر من مجرد مهام التنظيف، فقررت أن أقدم لها مساعدة بسيطة بعد أن سألتها إن كانت تجيد القراءة والكتابة ، طبعا كان جوابها يثير جانبا من رغبتي في معرفة إن كانت تستطيع أن تستعمل هذا الجهاز ؟ لما لا ؟

فتحت لها صفحة في برنامج الوورد وأعطيتها بعض المعلومات عن لوحة المفاتيح وأرشدتها إلى كيفية الكتابة.واحترام المسافة بين الكلمات كذا طريقة الإنتقال من سطر إلى سطر و قلت لها: "اكتبي ولا تتوقفي." فابتسمت ، وظنت أنني أمزح أو أسعى لإحراجها ، لكنها رأت ملامح الإصرار في حديثي ، وكانت أن رأيتها تضع المكنسة جانبا من القسم وراحت تجلس في مكاني والجرأة جواد امتطته للحظة فكانت الإنطلاقة وكأنها تجازف بمغامرة كانت حلما بالنسبة لها منذ دخت هذا القسم ، ورأيتها تكتب بشغف وبتأني ومن دون تعطل أو توقف ، لاحظت مدى استيعابها لكل ما قدمته لها من تمهيد للكتابة في معالج النصوص ..

كنت أراقبها وهي تكتب وملامح الإنتصار تجوب أصابعها والحلم سيد التجارب يعرج بها نحو تحقيق الهدف ، بعد أن انتهت قمت بتصحيح نصها وتركت ما كتبته على الطريقة التي أختارت أن يكون حرفيا ونسقته ووضعته في إطار جميل وطلبت منا أن تكتب اسمها وتاريخ التدوين ، ورحت أطبعه .. كنت أرى ملامحها وهي تنظر إلى الطابعة وكأن حلما من أحلامها في طور التحقيق ورأيتها تحمل الورقة وهي تبتسم وكأنها تحمل ميدالية ذهبية أعطيت لها في مارتون التحدي والنصر ، قائلة: "سأعلقها في "قزديري" - البيت الهش المبني من بقايا الحديد ، ليعلم أن من يسكنه لن يطيل المكوث به."

ترجمت لكم ما كتبته حتى يصل الفهم :

"حياتي ستبدأ لحظة جلوسي على الكمبيوتر. لقد تحقق حلمي وأنا أكتب على الكمبيوتر ، وكنت أرى هذا الحلم بعيدا فصرت وحلمي نسير على خطى واحدة بل أراه يقترب مني أكثر ، ومثلما تمنيت يوما أن أكتب في الكمبيوتر وإن لم أكمل دراستي ، تمنيت أيضا أن أسكن بيتا كبقية الناس ، وإن لم يكن لدي مالا ، لكنني الآن أرى أن الحياة فرص والحلم بيدنا أن نحققه يكفي أن نؤمن به " .

"ليست الألقاب هي التي تكسب المجد، بل الناس من يكسبون الألقاب مجدًا" حتى الأحلام الصغيرة يمكن أن تتحول إلى حقيقة كبرى بالفرصة والتشجيع.