كنت أظنه مملاً ، لم أكن أدري أنني سأنفجر بكاءً في أحد الأيام لهفة و حنيناً إلى الروتين الشاق .

كنت أستيقظ مع أذان الفجر ، أصلي و أتجهز للذهاب إلى الجامعة ، كنت شغوفة طموحةً إلى تحقيق حلمي بأن أكون طبيبة مميزة في أحد الأيام ، خلال الطريق أقرأ أذكار الصباح و أتأمل المناظر الخلابة ،أصل على موعد المحاضرة الأولى ، أحاول التركيز إلا أنني منهكة لأنني نمت متأخرة في الليلة الماضية ، انتهت المحاضرة أخيراً ، أنزل إلى الكافتيريا أشتري مشروباً ساخناً لإيقاظ داخلي ، ثم أذهب بهمّة إلى المحاضرة الثانية ، أحاول الإجابة على أكثر الأسئلة و أسجل معظم الملاحظات ، من ثم المحاضرة الثالثة و الأخيرة كذلك ، ينتهي الدوام بانتهاء طاقتي ، أركب سيارة من الموقف و أعود إلى المنزل ، أستلقي على سريري ، لا يكاد يمر ساعة فإذا بأبي قد عاد من العمل ، تنادي أمي لتجتمع الأسرة على مائدة الطعام ، ما هذه اللذة ، كل شيء جميل للغاية ، نتبادل مواقفنا المميزة لهذا اليوم ، ثم يذهب كل منا إلى أشغاله ،مع أذان المغرب نجتمع في غرفة المعيشة ، نتحدث و تعلو أصوات الضحكات ، كلنا ملتفون حول أميرة البيت أختي الصغيرة و نراقبها كيف تكبر و ما الجديد الذي تعلمته ، ثم نذهب إلى منزل جدي و جدتي لنتسامر معهم و صدفة نتلاقي مع أعمامي و أبنائهم ، يحلو الجلوس وسط جلسة عائلية غاية في الجمال .

كانت أياماً جميلة تحن لها القلوب حقاً رغم كل الضغوطات التي كنا نعيشها إلا أنني أتمنى لو أنها تعود يوماً ، لو يعود منزلي محاطاً بالجدران ، لو يعود جداي إلى الحياة ، لو أجد والدي المفقود حياً و أحتضنه بشدة ، لو تجتمع العائلة و تحلو الجلسة .