خلال المُكالمة الأولى كانت تبكي، في الثانية كانت تسأل بطريقةٍ منطقية مُرتاحةً حتى أنها ضحكت!

ساعة بكت بكيت، وساعة تنهدت أسىً أسيت، وساعة حكت متأملة، تأمّلت، لأنني أعرف ،لأنني جربت، لأنني اختبرت المرض والألم، الألم والخوف!

حين نشجت، نشجت فأنا أُدرك الألم والوحدة في الألم، "مش عايزة أتبهدل، لأن الحياة أصلًا صعبة، لأني بأعاني"

لأني سألت الرب ساعتئذ "كيف تزيد حمولتي وأنا بالكاد أجرجر قدمي"

شُخِّصت بورمٍ خبيث في الثدي والغدد الليمفاوية، عقب تغير طفيفٍ لاحَظتْه، أَجرت فحصًا على سبيل الإطمئنان، تبين أنه ورمٌ من الدرجة الثانية، طال أجزاءً أخرى، أول عتبات المرض المُفاجأة، تلك التي تُدخل المرء في خليطٍ من التنكر للأمر، من الغضب، من إدراكٍ لحلاوة الجهالة حينًا!

الفجائية، في كل مرة سمعت تلك الكلمة من مريضٍ " فجأة كده يا دكتورة لقيت..."، كنت أردك فجيعة الأمر، وربما ما سميت الفجيعة فجيعةً إلا لمفاجأتها، ما أعتى المفاجأة!

تحكي عن الفحوصات التي خضعت لها البارحة واليوم وغدًا،. وأعرف أن كل فحصٍ هو دربٌ طويلٌ من الإنتظار في حضرة مرضى مُهانين يورثون في النفس الأسى، هو تجربة خوفٍ قاصمة لما ستُوضحه النتائج، لألمٍ بدني من إدخال حقنٍ أو المكوث ثابتًا داخل جهازٍ ستُفسد أقل حركةٍ منك كل ما تَحمّلتَه في سبيل إجراء الفحص!

ولأني أعرف الأمل، الأمل في مرحلةٍ تنتهي، في الحظو بحياةٍ جديدة، في شريكٍ، في سفرٍ، في خبرةٍ حتى تنضُج إثرها، وبعض النضوج مُكلف!

في السخرية، " كل ما أعمل فحص يقولوا أصل في آثار في أماكن تانية"، في مُحاولة تجميعِ فائدةٍ للسقم،" هتخسي"، فقدان الوزن كأثرٍ جانبي لا تشعر به..

لأن أصعب ما يحدث هو استذكار الحدث بعد انتهائه، لأن الذكرى قاتلةٌ أحيانا، لذا قالت أحلام أنه ربما "نحن نُشفى حين يمكننا ان نلمس جراحنا القديمة بقلم"، وأنا حاولت أن أقص جُرحًا قديمًا ببساطة، بخفةٍ كيما أزيد قلقها! وفوجئت أني نسيت بعض التفاصيلِ حقًا، نسيت كم استغرق بالضبط نمو الشعر من جديد مثلًا، وإن كنت أذكر البخاخ الذي ابتاعه أبي لتسريع نموه، تذكرتُ شكل اللباس الذي ارتديه خلال أول جلسة، نسيت الوقت الذي استغرقه فقدان الشعر كاملًا، تذكرت مرارة المرات التي طالعت فيها المرآة برأسٍ حليقة..

أظن أننا قد ننسى بعض التفاصيل لكننا لا ننسى الشعور أبدًا!

أُحاول طمأنتها وطمأنة نفسي أولًا، لأن المرض مرٌ لكنه كغيره "بيعدي"..

تبقى الآلام البدنية ينبوعٌ متدفق للكتابة والأدب؛

لأن الوجعَ مضنٍ، ولأنه مُحتمٌ خوضها وحيدًا، لأننا نتلمس الأمل مع ذووي التجارب السابقة، لأن الأسقام هو جزء إجباريٌ من تجربة الحياة، لأنه ربما لو كان من ضامنٍ يضمن ألا يُصاب طفلي بالمرض،لأحببت أن يكون لي ولد!

ما أهنأ الذين عبروا دون أن يختبروا ألم الجسد، -على قِلتهم-، لكنهم محظوظون، لقد نجوا من تجربة قاسمةٍ بأعجوبة!