صادف في يوم من الايام أن التقيت صديق لي كنا زميلين في الجامعة ، فتقصينا أخبار بعضنا البعض و جلسنا نستذكر أيام الجامعة ونتقصى أحولنا فاستسألته عن احواله وعمله ... فاذا بتعابير وجهه تتغير لتعتريها الحزن و التعاسة ، فهممت بسؤاله عن امره ، فقال لي بكلمات تعتريها الحسرة و الحزن :
" كيف اختصر عليك احوالي ، فهي ليست جيدة بالمرة و ان سألتني على عملي فأظنه هو الإجابة لحال احوالي التي أنا عليها الان ، فكما تعلم ياصديقي العزيز كان لي حلم بإكمال دراستي في تخصص الاداب الانجليزي وانت اعلم بمستواي في هذه اللغة و مدى حبي وشغفي لها ، لكن شاءت الاقدار ان اعمل لأسند حالتي المادية و حال عائلتي ، فهأنا الآن في عمل شبه عسكري يملأه نظام الطبقية و الفساد و الظلم نتعرض لاسوأ المعاملات من شتم و توبيخ بشتى الالفاظ السيئة وقد تتعرض للضرب اذا ماخرقت القانون و السجن في أقصى الحالات ، حتى اننا ليس لنا الحرية الكاملة لا في الخروج و لا الجلوس ولا أي شيء ، اه يأخي لو تعلم كم أتحسر وأتقلب في الليالي لعلي أجد حل ، فلعلك ستقول لو أنك خرجت من عملك هذا وأنتهى الفيلم ، لكن لدي مسؤوليات ولو كانت خفيفة ، وكيف سوف أصبح في أعين والدتي بعد اذ إطمأنت من ناحيتي و كيف ستقبل نفسي ان اجلس في المنزل و أنا ليس لدي أية حرفة و لا شيء أعيل به نفسي، وكيف سأتصرف مع المجتمع القاسي ، في بعض الاحيان أعيش في الماضي كحالة من النوستالجيا لكي أنسى مأنا فيه ، وتارة أعيش حالة من السيكزوفرنيا و أتوهم أنني أكملتي دراستي وانني اعمل في ماأحب ، لكن غيمة الوهم تزول لتضربني أشعة الواقع الحارقة ، ولو أنني خرجت وقاومت هذه الصعاب فكيف سأرجع من الصفر ....حتى انني دخلت في حالة من التخبط لا أعلم الحقيقة من الوهم هل هذه أقدار الله عليك الصبر عليها مع أن الله لايكلف نفسا الا وسعها و رزقه واسع ام هي سوء تدبير و سوء توجيه ؟ وهل اذا خرجت من عملي فهل أنا اذا سخط على قدر الله و حرمت رزقي ؟ و هل العكس اذا ماعزمت في التوكل على الله و البحث عن عمل أخر ... وهل و هل ؟ ، كلها أسئلة تذوب عقلي ، وهذا عمل يتنافى مع شخصيتي الطيبة و الحسنة ..."
رأيت في وجهه بريق الدمع من عينيه و هو يخاطبني فتسألت كيف لإبن 22 سنة و في مقتبل العمر و يندم على أشياء قريبة المدى !؟ ومن في عمره مازالو يحاولون و يفشلون افي ذلك عيب ؟! لم أرد بسرعة و لم استوقفه خوفا من أن ازيد الطين بلة ، فوجدت ان مايعانيه من معاناة يعانيه اخرون و بأقصى درجات و وجدت أن اسئلته تخبطنا منها نحن الليالي أيضا ، فلست اعلم منه بحاله و لا وضعيته ولكن قدمت نصيحة محايدة لعلها تشفيه من الجانبين ، نصيحة عملية واقعية ، فماكان جوابي الا ان قلت له
" لقد أظلمت الزوايا من ناحيتك حتى أصبحت تتخبط على أشياء أكبر منك يأخي ، فلتعلم ان الذي يجلس أمامي ابن ال22 ربيعا مازال لم يبدأ في الحياة ، أناس في عمرك خاضوا تجارب وفشلوا و فشلوا و فشلوا ثم نجحوا ، لو خضتها أنت بعقليتك هذه وفشلت من أول خطوة لكنت الأن مكتئبا لحد الموت ، لن أقول لك أخرج من عملك و لن أقول لك العكس ، لكن ادرس خطتك وتجهز للقفز لخطوة اكبر و توكل على الله فما هي الا حياة واحدة "
فما نصيحتكم أنت يا مجتمع حسوب لمن هم في هذا الحالة ؟
التعليقات