لدى صديقة قديمة.. جميلة.. نعمل في نفس المجال تقريباً. أفوقها خبرة ومهارة، طلبت مني العون فعاونتها حتى وضعت أقدامها على بداية الطريق.

نشرت مقالها الأول. كان ركيكاً، لكنها حازت إعجاب الرجال جميعاً.. انهالت عليها الإعجابات وتعليقات المدح ورسائل التهنئة لقلمها البديع.. ما شجعها على كتابة مقالها الثاني.. كان أكثر ركاكة.

فازت بالمركز الأول في مسابقة أفضل مقال في الجامعة عندما كنا في العام الدراسي الأول، على الرغم أنها لم تتقدم بالمقال للمسابقة أساساً! لقد تطوع أحد الزملاء للتقديم نيابة عنها. وكانت شروط المسابقة أن تُرفق حسابات السوشيال ميديا مع المقالات فتطوعت لجنة التحكيم وأعطوها الجائزة الأولى.

في العام الدراسي الرابع، وفي مسابقة المقال، أحببت أن أجري اختبارا بسيطا للجنة التحكيم. فقدمت لهم نفس مقال صديقتي الحائز على المركز الأول منذ ٣ أعوام. لكن وضعت عليه اسمي. فلم يفز بأي جائزة.. تظلمت لمدير المسابقة فأعاد قراءة المقال ثم وبخني. واصفا كتابتي بالسخيفة، وإسلوبي بالركيك، وقلمي بالهزيل. وطردني من مكتبه شر طردة. هو نفس الرجل الذي منح نفس المقال المركز الأول من بضع أعوام!

تقدمنا سويا لمقابلة عمل، فحصلت على الوظيفة بعد أن سألها القائم على الوظيفة سؤالاً في غاية الصعوبة: كيف حالك اليوم؟

عندما تقدمت لنفس الرجل على نفس الوظيفة، سألني عن تحليلي السياسي والعسكري للموقف الألماني إبان الحرب العالمية الثانية أثناء زعامة هتلر، على أن تتضمن إجابتي إسم زوج خالة هتلر ومهنته ورقم لوحات سيارته.

تعرضت أنا يوما للاختطاف فكتبت مستنجدا على حسابي على فيس بوك. فقام صديقان لي بمشاركة المنشور وقام ثالث بعمل (لايك) لا أعلم لماذا! في نفس اليوم جرحت صديقتي إصبعها وهي تقشر برتقالة فوضعت صورة اصبعها، فتوالت الاتصالات على الهلال والصليب الاحمر لنجدتها، وشارك منشورها ألف رجل حول العالم، واستمر سؤال الشباب عنها ٦٠ يوماً بعد إعلانها تماثلها للشفاء!

كان بيننا صديق مشترك.. فكتبت صديقتي يوما تسأل عن الفارق بين السيارة ومركبة الفضاء.. فانبرى صاحبي يقارن بينهما مستعينا بالإنفوجرافيك والفيديو جرافيك والموشن جرافيك وحتى ناشيونال جيوجرافيك.. بينما درست أنا لعدة شهور مقررا صعبا، ثم لم أفهم جزء صغير بعد بذل مجهود مضني فاستعنت بصديقي فكتب لي متأففا: يا أخي ابذل بعض الجهد.. إشتري بعض المراجع.. ابحث في مكتبة الجامعة.. لا وقت عندي لك.

عادت صديقتي يوما للمنزل تحمل بضع ثمار التفاح، لا يتجاوز وزنها نصف كيلو.. حمل الرجال عنها حملها الثقيل، واضطرت للركض في الشارع عندما عرضوا عليها أن يحملوها هي الأخرى. في نفس اليوم تهشمت ساقي فا استعنت ببعض الناس فنظروا لي بازدراء وقالوا لي: عد للمنزل قفزا على قدم واحدة.. أنت رجل ويجب أن تتحمل خشونة الحياة.

* * *

فاض كيلي فصارحت صديقتي يوماً.. قلت لها: أنت تحصلين على كل المزايا دون أن تبذلي مجهود يذكر. بينما لا أحصل أنا إلا على ثمرة عملي وحدي فقط...

قالت لي...

لم تجرب يا صديقي أن تشعر بعدم الفهم. هل يعاملك الناس بلطف لشخصك أم لشكلك. هل تملك مقومات طيبة أم أنك فقط على الجانب المستفيد من المعادلة؟ هذا شعور قاسي..

لم تجرب يا صديقي أن تشعر بعدم الأمان في كل تعامل تقوم به مع رجل. هل هو لطيف أم يصطنع اللطف ليحصل على مُراد أخر؟

لم تجرب يا صديقي التطفل على أبسط تفاصيل حياتي، والتطفل على هاتفي المحمول إذا أخرجته في مكان مزدحم.. طوفان الرسائل المتوددة والمهددة والشاتمة واللاعنة لأي سبب وفي أي وقت ولأي تصرف أقوم به.

لم تجرب يا صديقي جلد الذات، إذا توددت لأحدهم أن يحكم على أننى سهلة. وإن تجاهلته أن أحكم على نفسي بقلة التهذيب.

* * *

هدأت ثورتي قليلاً ثم صارحت نفسي.. رجعت للسطر الأول في قصتي.. هل قدمت يد العون لها في البداية لأنني رجل صالح يحب الخير أم لأتودد لها؟

هل أنا قادر على مساعدة من حولي بنفس اللهفة التي أساعد بها فتاة تطلب المساعدة؟ كم رسالة أرسلتها عارضاً خدمة على فتاة، وهل يوجد في صندوق بريدي نصف الرقم من الرسائل موجه لرجال؟ أليس من الأفضل أن نحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب الأخرين؟

لكن نفسي أجابتني قائلة: أنت فعلا تُميز بين الناس في التعامل. لكن هل تمييزك لأسباب غير بريئة بالفعل؟ ألم تساعد الرجل العجوز على عبور الطريق؟ ألم تحمل حملاً ثقيلاً عن امرأة بعمر أمك؟ ليس كل مساعدة تقوم بها يكون غرضها التودد. ربما فعلا وجدتها في موقف يستحق المساندة والدعم.. الفارق بين المساعدة الغير بريئة والمساعدة البريئة هو ما يحدث بعدها.. هل انتهى الموقف أم إنك بدأت في استغلاله كصاحب حق مكتسب. وصاحب جميل يجب أن يُرد؟

* * *

وأنت يا من وصلت حتى هنا في القراءة...أجبني بكل صراحة....

  1. هل حصلت يوما على أي فائدة في حياتك نتيجة سبب أخر غير أنك تستحقه بالفعل؟ مثل أن تكون من جنس معين. دين معين. طائفة معينة. جنسية معينة.
  2. هل تعاملك مع الأخرين يختلف باختلاف (نوعهم - دينهم - جنسيتهم ...الخ)؟
  3. هل أصابك ضرر في حياتك الخاصة أو العملية، نتيجة انتمائك لـ (نوع - دين جنسية..الخ) ؟